الهند، فجاءهم من حيث لا يحتسبون، فوقع بين طائفتي التتر، فانهزمت الإيوانية من الطمغاجية إلى أن خالطوا أطراف بخارى وسمرقند، واتصل بهم أن السلطان محمدا بنواحي بغداد، وأن المسافة بعيدة، فطمعوا في البلاد بخلوها عنه، فأتاه الخبر وهو بهمذان، فارتد على عقبيه حتى قدم بخارى، فجمع وحشد وعزم على لقائهم، وسير ولده جلال الدين بخمسة عشر ألفا وجعلهم كمينا، فنم الخبر إلى الطمغاجية، وملكهم هو جنكزخان فوقعوا على الكمين فطحنوه. وهرب جلال الدين بعد جهد جهيد حتى اتصل بأبيه، فأجمع رأيه على أن يضرب معهم مصافا، فثبتوا عند اللقاء أول يوم، فعجب من ذلك السلطان محمد إذ لم تجر له عادة أن يثبت بين يديه عدو، فلما ثبتوا اليوم الثاني والثالث ضعفت منته ومنة أصحابه، وتغيرت نياتهم، واستشعروا الخوف والخور، ثم وصلت الجواسيس تخبره بأن العدو على نصف عسكره في العدد، فخيل إليه تعس الجد أن في أصحابه مخامرين، فقبض على كبرائهم، فازدادت النيات فسادا، وتوهم أن عسكره قد صفا، فضرب معهم مصافا آخر فتطحطح ووصل بخارى منهزما، ونادى في الناس: استعدوا للحصار ثلاث سنين. فتخلوا عنه، فرأى من الرأي أن يرجع إلى نيسابور ويجمع بها الجيوش، ولم يظن أن الطمغاجية يتعدون جيحون، فأخذوا بخارى في ثمانية أيام وأبادوا أهلها، ثم هجموا خراسان، فأشار عليه وزيره عماد الملك أن يلحق بهمذان، وضمن له أن يجمع له من العساكر والأموال مقدار حاجته، فما وصل الري إلا وطلائعهم على رأسه، فانهزم إلى قلعة برجين وقد نصب، فأقام بها يومين وإذا بهم عليه، فسحب نفسه إلى دربند قارون - موضع في تخوم بارس - ومعه ثلاثمائة فارس عراة ليس فيهم رمق، فلما مضهم الجوع استطعموا من أكراد هناك فلم يحتفلوا بهم، فقالوا: السلطان معنا. فقالوا: ما نعرف السلطان. فلما ألحفوا في المسألة أعطوهم شاتين وقصعتي لبن، فتوزعوها. ثم رجع إلى نهاوند، ومر على أطراف البلاد إلى همذان ثم إلى مازندران؛ وقعقعة رماحهم وسيوفهم قد ملأت مسامعه ومناظره، فنزل ببحيرة هناك بموضع يعرف بآوكرم، فمرض بالإسهال الذريع، وطلب دواء فأعوزه