أستاذ الدّار، وقاضي القضاة محيي الدّين بن فضلان الشّافعيّ، والنّقيب الطّاهر قوام الدّين الحسن بن معدّ الموسويّ، ثمّ بويع يوم عيد الفطر البيعة العامّة، وجلس بثياب بيض، وعليه الطّرحة وعلى كتفه بردة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في شبّاك القبّة الّتي بالتّاج، فكان الوزير قائماً بين يدي الشّبّاك على منبر، وأستاذ الدّار دونه بمرقاة، وهو الّذي يأخذ البيعة على النّاس، ولفظ المبايعة: أبايع سيّدنا ومولانا الإمام المفترض الطّاعة على جميع الأنام، أبا نصر محمّداً الظّاهر بأمر الله على كتاب الله، وسنّة نبيّه، واجتهاد أمير المؤمنين، وأن لا خليفة سواه.
ولمّا أسبلت السّتارة، توجّه الوزير وأرباب الدّولة، وجلسوا للعزاء، ووعظ محيي الدّين ابن الجوزيّ، ثمّ دعا الخطيب أبو طالب الحسين ابن المهتدي بالله، وبعد أيّام عزل ابن فضلان عن قضاء القضاة، وولّي أبو صالح نصر بن عبد الرّزّاق ابن الشّيخ عبد القادر، وخلع عليه.
قال ابن الأثير: فيها اشتدّ الغلاء بالموصل والجزيرة جميعها، فأكل النّاس الميتة والسّنانير والكلاب، ففقد الكلاب والسّنانير، ولقد دخلت يوماً إلى داري، فرأيت الجواري يقطّعن اللّحم، فرأيت حواليه اثني عشر سنّوراً، ورأيت اللّحم في هذا الغلاء في الدّار وليس عنده من يحفظه من السّنانير لعدمها، وليس بين المدّتين كثير، ومع هذا فكانت الأمطار متتابعة إلى آخر الربيع وكلما جاء المطر غلت الأسعار، وهذا ما لم يسمع بمثله، إلى أن قال: واشتدّ الوباء، وكثر الموت والمرض، فكان يحمل على النّعش الواحد عدّةٌ من الموتى.