خاف وردّ عن التّتار، ورأى التّتر أنّه لا يطلبهم أحدٌ فوقفوا، وردّوا إلى أصبهان وحاصروها، وظنّوا أنّ جلال الدّين قد عدم، فبينما هم كذلك، إذ وصل إليهم قاصدٌ من جلال الدّين يعرّفهم بأنّه سالم، وأنّه يجمع، وينجد أهل أصبهان، ففرح أهل البلد، وقويت نفوسهم، وفيهم شجاعة طبعيّة، فقدم عليهم، ودخل إليهم، ثمّ خرج بهم، فالتقوا التّتار، فانهزم التّتار أقبح هزيمةٍ، فساق جلال الدّين وراءهم إلى الريّ قتلاً وأسراً، وأقام بالريّ، فأتته رسل ابن جنكزخان يقول: إنّ هؤلاء ليسوا من أصحابي، وإنّما نحن أبعدناهم، فاطمأن جلال الدّين من جانب ابن جنكزخان، وعاد إلى أذربيجان.
وأمّا غياث الدّين أخوه، فقصد خوزستان، فلم يمكّنه نائب الخليفة من دخولها، فقصد بلاد الإسماعيليّة، والتجأ إليهم، واستجار بهم. فقصد جلال الدّين بلاد الإسماعيليّة لينهبها إن لم يسلموا إليه أخاه، فأرسل مقدّمهم يقول: لا يجوز لنا أن نسلّمه إليك، لكن نحن ننزله عندنا، ولا نمكّنه أن يقصد شيئاً من بلادك، والضّمان علينا. فأجابهم إلى ذلك، وعاد فنازل خلاط.
وفيها تملّك علاء الدّين كيقباذ صاحب الروم مدينة أرزنكان، وكان صاحبها بهرام شاه قد طال ملكه لها، وجاوز ستّين سنةً، فمات، ولم يزل في طاعة قلج أرسلان وأولاده، فملك بعده ولده علاء الدّين داود شاه، فأرسل إليه كيقباذ يطلب منه عسكراً ليسير معه إلى مدينة أرزن الروم، ليحاصرها، وأن يكون معهم، فأتاه في عسكره، فقبض عليه، وأخذ بلده. وكان له حصن كماخ، وله فيه والٍ فتهدّده إن لم يسلّم الحصن أيضاً، فأرسل إلى نائبه، فسلم الحصن، فلما سمع صاحب أرزن، وهو ابن عم كيقباذ أنه يقصده، استنجد بالأمير حسام الدّين عليّ الحاجب نائب الملك الأشرف على خلاط، فسار الحسام ونجده، فردّ كيقباذ لذلك؛ ولأنّ العدوّ أخذوا له حصن صمصون وهو مطلٌّ على البحر عاصٍ، فأتاه واستعاده منهم، ثمّ أتى أنطاكية يشتّي بها.
وفيها ظهر محضر للعناكيّين أثبت على نجم الدّين مهنّا قاضي المدينة أنّ حكّام بن حكم بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن محمد الممدوح بن عبد الله الجواد بن جعفر الطّيّار سكن بقريةٍ بالشّام تعرف بالأعناك، وأولد بها، وعقبه بها، وبالشّام، ومن نسله فلان وساق نسبه إلى حكام.