ليس للجمع كان منعك للصر ف، ولكن للعدل والتعريف وفي ربيع الأول كانت وقعة أهل سبتة مع الفرنج، وذلك أن متوليها الينشتي كان قد بالغ في تألفهم، فكانوا يأتون بالتجارات، فكثروا إلى الغاية بسبتة بحيث إنهم صاروا بها أكثر من أهلها، فطمعت الفرنج وراموا تملك البلد، وأعملوا الحيلة.
وكان لأبي العباس الينشتي ابنان؛ أحدهما قائد البحر، والآخر قائد البر.
فخرج قائد البر نوبة بجيشه لأخذ الخراج من القبائل، فعزم الملاعين على أمرهم، ولبسوا أسلحتهم وخرجوا، فطلبوا من سقاءٍ ماء، فأبى، فقتلوه وشرعوا في القتال.
وثار المسلمون إليهم، والتحم الحرب، فقتلوا من أهل الربض خلقا، وسد أهل البلد الباب في وجوههم ورموهم بالنشاب من المرامي، وأسرع الصريخ إلى قائد البر؛ فكر بالجيش ركضا، والإفرنج قد ملكوا الربض، وسدوا بابه الواحد، وهم على أن يغلقوا الثاني، فحمل الجيش عليهم حملة صادقة، فدخلوا عليه، فلم يفلت منهم إلا الشريد، ففروا إلى البحر هاربين، وغنم المسلمون من الأموال ما لا يوصف.
فذهب المنهزمون واستنجدوا بالفرنج، ثم أقبلوا في هيئةٍ ضخمة من الرجال والمراكب وآلات الحصار والمجانيق، ونازلوا سبتة، واشتد الأمر، فطلب المسلمون المصالحة، فقالوا: لا نرد حتى يغرموا لنا جميع ما أخذ لنا في العام الماضي.
فأعطوا جميع ذلك؛ التزم الينشتي لهم بذلك، وعجز عن البعض، فشرع في مصادرة العامة، فتوغلت صدورهم عليه، وقال له الأعيان: الرأي يا أبا العباس أن نصالح صاحب المغرب، فكأنه أحس منهم القيام عليه فأجاب على كرهٍ، فكاتبوا الرشيد عبد الواحد؛ فبعث جيشا مع وزيره، وفتح أهل سبتة له البلد، وأسر الينشتي هو وابنه الواحد ثم قتلا بالسم بمراكش، وهرب ابنه الآخر في البحر، فما استقر إلا بعدن.