للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكيّاً، له اليد البيضاء في الشّعر والأدب، لأنّه حصَّل طرفاً جيّداً من العلوم في دولة أبيه.

وولي السّلطنة في سنة أربع وعشرين بعد والده، وأحبّه أهل دمشق. ثمّ سار عمّه الملك الكامل من الدّيار المصريّة لأخذ المُلك منه، فاستنجد بعمّه الأشرف فجاء لنُصرته ونزل بالدَّهشة، ثم تغيَّر عليه ومال إلى أخيه الكامل، وأوهم النّاصر أنّه يصلح قضيته، فسار إلى الكامل، واتفقا على النّاصر وحاصراه، كما ذكرنا في الحوادث، أربعة أشهر، وأخذا منه دمشق، وسار إلى الكَرَك، وكانت لوالده، وأُعطي معها الصَّلْتَ ونابلس وعجلون وأعمال القُدس. وعقد نكاحه على بنت عمّه الكامل سنة تسعٍ وعشرين. ثمّ تغيّر عليه الكامل تغيُّراً زائداً، ففارق ابنته قبل الدّخول.

ثمّ إنّ النّاصر بعد الثّلاثين قصد الإمام المستنصر بالله وقدّم له تحفاً ونفائس، وسار إليه على البرّيّة، والتمس الحضور بين يديه كما فعل بصاحب إربل، فامتنعوا عليه، فنظم هذه:

ودانٍ ألمّت بالكثيب ذوائبُهُ وجنحُ الدُّجى وجف تجولُ غياهِبُه تقهقهُ في تلك الرُّبُوع رُعودُهُ وتبكي على تلك الطُّلُول سحائبُهْ أرْقْتُ له لمّا توالتْ بروقُهُ وحُلَّت عزاليه، وأُسبل ساكبُهْ إلى أن بدا من أشقر الصُّبح قادمٌ يُراع له من أدهم اللّيل هاربُهْ وأصبح ثغرُ الأُقحُوانة ضاحكاً تدغدغهُ ريح الصّبا وتُلاعبُهُ وهي قصيدة طويلة طنّانة يقول فيها:

ألا يا أمير المؤمنين، ومن غدَتْ على كاهل الجوْزاء تعْلو مراتبُهْ أيَحْسنُ في شرْع المعالي ودينِها وأنت الّذي تُعْزى إليه مذاهبُهْ بأنّي أخوض الدّوّ والدّوُّ مُقْفر سباريته مُغْبرَّةٌ وسباسِبُهْ وقد رصد الأعداء لي كلَّ مرصدٍ فكُلُّهم نحوي تدُبّ عقاربُهْ وآتيك والعضْبُ المُهنَّد مُصلَتٌ طريرٌ شباهُ، قانيات ذوائبُهْ وأُنزل آمالي ببابك راجياً بواهر جاهٍ يبهرُ النَّجْم ثاقبُهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>