بوجه معذبي آيات حسنٍ فقُل ما شئت فيه ولا تحاشي ونسخة حسنه قرئت فصحت وها خطُّ الكمال على الحواشي ذكره شيخنا الدّمياطيّ فأطنب في وصفه، وقال: ولي قضاء حلب خمسةٌ من آبائه متتالية، وله الخط البديع والحظ الرفيع والتّصانيف الرائقة، منها تاريخ حلب، أدركته المنية قبل إكمال تبييضه، وكان بارا بي، حفيا محسنا إلي، وفيا يؤثرني على أقراني، وصحبته بضعة عشر عاما مقاما وسفرا وانتقالا، ورافقته كرتين من بغداد إلى دمشق، وأخذت عنه في البلاد من علمه ونظمه، وأخذ عني بسر من رأى، وكان غزير العلم، خطير القدر والأصل، وقد عدّلنيّ تعديلا ما عدّله أحدٌ من أمثالي، وذلك أن قاضي دمشق التمسنيّ منه ليعدلنيّ، فامتنع لسببٍ جرى من القاضي، فطفق الرسول يتضرع إليه ويسأله حتى أذن، فغدوت معه فأخرج لي القاضي ملبوسا فاخرا من ملابسه، فلبسته وأشهدني عليه وعدلنيّ، ورجعت راكبا على بغلته إلى منزلي، قدس الله روحه.
وقال الشريف عز الدّين: كان - كمال الدّين ابن العديم يعني - جامعا لفنونٍ من العلم، معظما عند الخاصة والعامة، وله الوجاهة التامة عند الملوك، وجمع لحلب تاريخا كبيرا أحسن فيه ما شاء، ومات وبعضه مسودة لم يبيضه، ولو كمل تبييضه لكان أكثر من أربعين مجلدا، سمعت منه واستفدت به.
قلت: من نظر في تاريخه علم جلالة الرجل وسعة اطلاعه، وكان قد ناب في السلطنة، وعلم عن الملك الناصر في غيبته عن دمشق، وذكر في تاريخه أنه دخل مع والده على الملك الظاهر غازي، وأنه هو الذي حسّن له جمع تاريخ لحلب.
روى عنه: ابنه الصاحب مجد الدّين عبد الرحمن، والدّمياطيّ، والبدر محمد بن أيوب التاذفيّ، وعلم الدّين الدّويداريّ، وأبو الفضل إسحاق الأسديّ، وجماعة.