وكان قد انهزم يوم الوقعة الأمير الحاج أزدمر إلى جبل الخرديين، وأقام عندهم واحتمى بهم، ثم مضى إلى خدمة سنقر الأشقر في طائفة من الجبليين، فأنزله بشيزر يحفظها.
وفي جمادى الآخرة ولي نظر الدواوين الصاحب محيي الدين ابن النحاس.
وفيه وصل الجفال من البلاد الحلبية من التتار وتقهقر عسكرها. وسبب حركتهم ما بلغهم من اختلاف الكلمة.
وتوجه في جمادى الأولى عسكر المصريين ونازلوا شيزر وضايقوها بلا محاصرة، وترددت الرسل بينهم وبين سنقر الأشقر في تسلمها. فبينا هم في ذلك وصلت الأخبار في جمادى الآخرة بأن التتار قد دهموا البلاد، فخرج من بدمشق من العساكر، وعليهم الركن أباجو، وانضم إلى العساكر التي على شيزر، ثم نزل الكل على حماة؛ وقدم من مصر بكتاش النجمي في ألف، فلحق بهم، وأرسل هؤلاء إلى سنقر الأشقر يقولون: هذا العدو قد دهمنا وما سببه إلا الخلف الذي بيننا، وما ينبغي أن تهلك الرعية في الوسط، والمصلحة أننا نجتمع على دفعه. فنزل عسكر سنقر الأشقر من صهيون والحاج أزدمر من شيزر، وخيمت كل طائفة تحت حصنها، واتفقوا على الملتقى وقتال التتار، وجاءت طائفة عظيمة من التتار، فقتلوا من تبقى بحلب وسبوا ونهبوا وأحرقوا منبر الجامع والمدارس ودور الأمراء، وعملوا كل قبيح كعاداتهم الجميلة، وأقاموا بحلب يومين، واستاقوا المواشي والغنائم.
وقيل: إن بعض من كان استتر بحلب يئس من الحياة ووقف على رأس منارة حلب، وكبر بأعلى صوته على التتار وقال: الله أكبر جاء النصر من عند الله؛ ولوح بثوبه، وبقي يقول: أمسكوهم من البيوت مثل النساء يا عساكر الإسلام. فخرج التتار على وجوههم يظنون أن المسلمين جاءوا. وكانوا قد بلغهم اجتماع العسكر على حماة، وسلم ذلك الرجل. نقل ذلك الشيخ قطب الدين.