الشيطان قد عرض لي، قال: فزاده أبوه غيا فكتب إليه: أقبل على ما أمرت به، إن الله يقول: تنزل الشياطين على كل أفاك أثيم، ولست بأفاك ولا أثيم.
وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا رجلا فيذاكرهم أمره، ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن رأى ما يرضي قبل، وإلا كتم عليه، وكان يريهم الأعاجيب، يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبح، ويطعمهم فاكهة الصيف في الشتاء، ويقول: اخرجوا حتى أريكم الملائكة، فيخرجهم إلى دير مران فيريهم رجالا على خيل، فتبعه بشر كثير، وفشا الأمر في المسجد، وكثر أصحابه، فوصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة، قال: فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق، ثم قال: إني نبي، قال: كذبت يا عدو الله، ولا عهد لك عندي، قال: فقال له أبو إدريس الخولاني: بئس ما صنعت إذ لم تلن حتى تأخذه، الآن يفر، قال: وقام من مجلسه فدخل على عبد الملك بن مروان، فأعلمه بالأمر، وطلب فلم يقدروا عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصنبرة واتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه، وأتى الحارث بيت المقدس مختفيا، وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرجال يدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس، فأدخل عليه، فأخذ في التحميد، فسمع البصري كلاما حسنا، ثم أخبره بأمره وأنه نبي، فقال: إن كلامك حسن، ولكن في هذا نظر، ثم خرج، ثم عاد إليه، فأعاد عليه كلامه، فقال: قد وقع في قلبي كلامك، وقد آمنت بك، هذا الدين المستقيم، فأمر أن لا يحجب، فأقبل البصري يتردد إليه ويعرف مداخله وحيله وأين يهرب، حتى اختص به، ثم قال: ائذن لي، قال: إلى أين؟ قال: إلى البصرة أكون داعيا لك بها، فأذن له، فأسرع إلى عبد الملك وهو بالصنبرة، ثم صاح: النصيحة النصيحة، فأدخل وأخلي، فقال له: ما عندك؟ قال: الحارث. فلما ذكر الحارث طرح نفسه من سريره، وقال: أين هو؟ قال: ببيت المقدس يا أمير المؤمنين، وقص شأنه، قال: أنت صاحبه، وأنت أمير بيت المقدس، وأمير ما هاهنا، فمرني بما شئت، قال: ابعث معي أقواما لا يفقهون الكلام، فأمر أربعين رجلا من أهل