أبو الزبير الهمداني، قال: خرجت مع ابن الأشعث، وخرج أهل الكوفة يستقبلونه، فقال لي: اعدل عن الطريق لا يرى الناس جراحتكم، فإني لا أحب أن يستقبلهم الجرحى، فلما دخل الكوفة مالوا إليه كلهم، وحفت به همدان، إلا أن طائفة من تميم أتوا مطر بن ناجية، وقد كان وثب على قصر الكوفة، فلم يطق قتال الناس، فنصب ابن الأشعث السلالم على القصر فأخذوه، وأتوا بمطر بن ناجية، فقال لابن الأشعث: استبقني فإني أفضل فرسانك وأعظمهم غناء عنك، فحبسه، ثم عفا عنه، فبايعه وبايعه الناس بالكوفة، ثم أتاه أهل البصرة، وتفوضت إليه المسالح والثغور، وجاءه عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بعد أن قاتل الحجاج بالبصرة ثلاثة أيام.
وأقبل الحجاج من البصرة يسير من بين القادسية والعذيب، فنزل دير قرة، وكان أراد نزول القادسية، فجهز له ابن الأشعث عبد الرحمن بن العباس، فمنعه من نزولها، ونزل عبد الرحمن الهاشمي دير الجماجم، فكان الحجاج بعد يقول: أما كان عبد الرحمن يزجر الطير حيث رآني نزلت بدير قرة، ونزل بدير الجماجم.
واجتمع جل الناس على قتال الحجاج لظلمه وسفكه الدماء، فكانوا مائة ألف مقاتل فجاءته أمداد الشام، فنزل وخندق عليه، وكذا خندق ابن الأشعث على الناس، ثم كان الجمعان يلتقون كل يوم، واشتد الحرب، وثبت الفريقان.
وأشار بنو أمية على عبد الملك بن مروان، وقالوا: إن كان إنما يرضي أهل العراق أن تنزع عنهم الحجاج فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم، فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك، وكتب إلى أخيه محمد بن مروان بالموصل، فسار إليه، وأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجاج عنهم، وأن يجرى عليهم العطاء، وأن ينزل ابن الأشعث أي بلدٍ شاء من العراق، يكون عليه واليا، فإن قبلوا فاعزلا عنهم الحجاج، ومحمد أخي مكانه، وإن أبوا فالحجاج أميركم كلكم وولي القتال، قال: فقدموا على الحجاج، فاشتد عليه ذلك، وشق عليه العزل، فراسلوا أهل العراق، فجمع عبد الرحمن بن