للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وهو) (١) ثقة احتج به البخاري والنسائي، ورواه الناس عن قراد وحسنه الترمذي. وهو حديث منكر جدًّا، وأين كان أبو بكر؟ كان ابن عشر سنين فإنه أصغر من رسول الله بسنتين ونصف. وأين كان بلال في هذا الوقت؟ فإن أبا بكر لم يشتره إلا بعد المبعث ولم يكن ولد بعد. وأيضًا: فإذا كان عليه غمامة تظله كيف يتصور أن يميل فيء الشجرة؟ لأن ظل الغمامة يعدم فيء الشجرة التي نزل تحتها. ولم نر النبي ذَكَّر أبا طالب قط بقول الراهب، ولا تذاكرته قريش، ولا حكته أولئك الأشياخ مع توفر هممهم ودواعيهم على حكاية مثل ذلك، فلو وقع لاشتهر بينهم أيما اشتهار، ولبقي عنده حِسٌّ من النبوة ولما أنكر مجيءَ الوحي إليه أولًا بغارِ حراء، وأتى خديجة خائفًا على عقله، ولما ذهب إلى شواهق الجبال ليرمي نفسه . وأيضًا: فلو أثر هذا الخوف في أبي طالب ورده كيف كانت تَطِيبُ نَفْسُه أن يمكنه من السفر إلى الشام تاجرًا لخديجة؟ وفي الحديث ألفاظ منكرة تشبه ألفاظ الطرقية مع أن ابن عائذ قد روى معناه في مغازيه دون قوله: وبعث معه أبو بكر وبلالًا إلى آخره، فقال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرني أبو داود سليمان بن موسى، فذكره بمعناه" (٢).

ونرى من هذا النقد أن الذهبي قد حَلَّلَ الخبر تحليلًا علميًّا من كافة جوانبه: في أحداثه، وألفاظه، ودلالاته، واستعمل عقله، والأدلة التاريخية ليثبت بطلانه، وهو يدل على مَلَكَةٍ عظيمة في النقد وتمكن فيه.

والحق أن الذهبي استعمل عقله في رَدِّ كثير من الروايات حتى وإن لم تتوفر لديه الأدلة الكافية، لكن حِسَّهُ التاريخي جعله لا يقبلها وإنْ رواها أو نقلها الثقات، فقد نقل عن الخطيب نصًا عن عدد حمامات بغداد وأنها كانت ستين ألف حمام، فقال: "قلت: كذا نقل الخطيب في تاريخه وما أعتقد أنا هذا قط ولا عشر ذلك" (٣). ولم يقبل تصديق ضخامة أعداد الناس الذين كانوا يحضرون مجالس وعظ ابن الجوزي مع أن ابن الجوزي ذكرها بنفسه في


(١) إضافة مني للتوضيح.
(٢) ١/ ٥٠٣ - ٥٠٤.
(٣) ٣/ ٣٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>