صلى الله عليه وسلم ساعة يتحدث مع أبي بكر ثم قال: تجهزت يا أبا بكر؟ قال: لماذا يا رسول الله؟ قال: لغزو قريش؛ فإنهم قد غدروا ونقضوا العهد، وإنا قوم غازون إن شاء الله.
وأذن في الناس بالغزو، فكتب حاطب إلى قريش، فذكر حديثه، وقال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار، وأسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وبني سليم. وقادوا الخيول حتى نزلوا بمر الظهران، ولم تعلم بهم قريش. قال: فبعثوا حكيم بن حزام وأبا سفيان وقالوا: خذوا لنا جوارا، أو آذنونا بالحرب! فخرجا، فلقيا بديل بن ورقاء فاستصحباه، فخرج معهما حتى إذا كانوا بالأراك بمكة وذلك عشاء رأوا الفساطيط والعسكر، وسمعوا صهيل الخيل، ففزعوا. فقالوا: هؤلاء بنو كعب جاشت بهم الحرب. قال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب، ما بلغ تأليبها هذا!
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث بين يديه خيلا لا يتركون أحدا يمضي. فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل وأتوا بهم. فقام عمر إلى أبي سفيان فوجأ عنقه، والتزمه القوم وخرجوا به ليدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم به. فحبسه الحرس أن يخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاف القتل، وكان العباس بن عبد المطلب خالصة له في الجاهلية، فنادى بأعلى صوته: ألا تأمر بي إلى عباس؟ فأتاه عباس فدفع عنه، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبضه إليه.
فركب به تحت الليل، فسار به في عسكر القوم حتى أبصره أجمع. وكان عمر قال له حين وجأه: لا تدن من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تموت. فاستغاث بالعباس، وقال: إني مقتول. فمنعه من الناس. فلما رأى كثرة الجيش قال: لم أر كالليلة جمعا لقوم. فخلصه عباس من أيديهم، وقال: إنك مقتول إن لم تسلم وتشهد أن محمدا رسول الله. فجعل يريد أن يقول الذي يأمره به عباس، ولا ينطلق به لسانه وبات معه.
وأما حكيم وبديل فدخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما، وجعل يستخبرهما عن أهل مكة.