وهو أول من تملك الأندلس، وذلك أنه هرب وانفلت من بني العباس عند استيلائهم، وأبعد إلى المغرب، فروى جابر بن عبد الله الأندلسي أن عبد الرحمن بن معاوية الداخل لما سار هاربا من مصر صار إلى أرض برقة، فأقام بها خمس سنين، ثم رحل منها يريد الأندلس، فدخل بدر مولاه يتجسس عن الأخبار، فقال للمضرية: لو وجدتم رجلا من أهل الخلافة أكنتم تبايعونه؟ قالوا: وكيف لنا بذاك؟ فقال بدر: هذا عبد الرحمن بن معاوية. فأتوه فبايعوه، فولي عليهم ثلاثا وثلاثين سنة، ثم ولي ابنه من بعده.
قال: ودخوله الأندلس في سنة تسع وثلاثين ومائة. وكان يوسف الفهري أول من قطع الدعوة عنهم، وكان من قبله يدعون لولد عبد الملك بن مروان بالخلافة، فأبطل يوسف ذلك ودعا لنفسه، فلما دخل عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس قاتل يوسف، واستولى على البلاد.
قلت: وبقي ملك الأندلس بأيدي أولاده إلى رأس الأربعمائة، وبلغنا أن عبد الرحمن بن معاوية لما توجه إلى يوسف الفهري عدى إلى الجزيرة فنزلها، فاتبعه أهلها، فمضى في عسكر إلى إشبيلية، فأطاعه أهلها، ثم مضى إلى قرطبة فاستولى عليها، فكان كلما قصد مدينة بايعوه، فلما رأى يوسف العساكر قد أظلته هرب إلى دار الشرك، فتحصن هناك، فغزاه فيما بعد عبد الرحمن الداخل، فوقعت نفرة في عسكره فانهزم، ورجع عبد الرحمن مظفرا منصورا، وجعل لمن يأتيه برأس يوسف مالا، فأتاه رجل من خاصة يوسف برأسه.
قال أبو عبد الله الحميدي: ولد الأمير أبو المطرف عبد الرحمن بالشام سنة ثلاث عشرة ومائة، ودخل الأندلس في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف بن عبد الرحمن الفهري متولي الأندلس، فهزمه واستولى على قرطبة يوم النحر من العام، وعاش إلى سنة اثنتين وسبعين ومائة. قاله لنا أبو محمد بن حزم.
قال: وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل، ومن قضاته معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي.