فإني مقر بالذي علي. فكتب له. فأخرج قباء من ديباج مما كان كسرى يكسوهم، فقال: يا محمد اقبل عني هذا هدية. قال: ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا أحد إلا حرمه في الآخرة. فشق عليه أن رده. قال: فادفعه إلى عمر. فأتى عمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أحدث في أمر؟ فضحك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى وضع يده أو ثوبه على فيه، ثم قال: ما بعثت به إليك لتلبسه، ولكن تبيعه وتستعين بثمنه.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: ولما توجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قافلا إلى المدينة، بعث خالدا في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر دومة الجندل، فلما عهد إليه عهده، قال خالد: يا رسول الله، كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر، وإنما نأتيها في عصابة من المسلمين؟ فقال: لعل الله يكفيكه. فسار خالد، حتى إذا دنا من دومة نزل في أدبارها. فبينما هو وأصحابه في منزلهم ليلا، إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن، وأكيدر يشرب ويتغنى بين امرأتيه. فاطلعت إحداهما فرأت البقر، فقالت: لم أر كالليلة في اللحم. فثار وركب فرسه، وركب غلمته وأهله، فطلبها. حتى مر بخالد وأصحابه فأخذوه ومن معه فأوثقوهم. ثم قال خالد لأكيدر: أرأيت إن أجرتك تفتح لي دومة؟ قال: نعم. فانطلق حتى دنا منها، فثار أهلها وأرادوا أن يفتحوا له، فأبى عليهم أخوه. فلما رأى ذلك، قال لخالد: أيها الرجل، حلني، فلك الله لأفتحنها لك، إن أخي لا يفتحها ما علم أني في وثاقك. فأطلقه خالد. فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد، ثم قال: اصنع ما شئت، فدخل خالد وأصحابه ثم قال: يا خالد إن شئت حكمتك وإن شئت حكمتني. فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فأعطاهم ثمانمائة من السبي وألف بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح.
وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبل معه يحنة بن رؤبة عظيم أيلة. فقدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر. فاجتمعا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقاضاهما على قضيته؛ على دومة وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء، وكتب لهم به كتابا. ورجع قافلا إلى المدينة.