فلما نزلت أرسل إليهم فأطلقهم وعذرهم. ونزلت إذ بذلوا أموالهم:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وروى نحوه عطية العوفي، عن ابن عباس.
وقال عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن أباه قال: سمعت كعبا يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك.
قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك. غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة العقبة، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر، يعني أذكر في الناس منها.
كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة. والله ما اجتمعت عندي قبلها راحلتان، حتى جمعتهما تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد غزوة إلا ورى بغيرها. حتى كانت تلك الغزوة غزاها في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريد. والمسلمون مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير لا يجمعهم كتاب حافظ؛ يريد الديوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي، وغزا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر. فتجهز والمسلمون معه.
وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ولم أقض شيئا. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردته. فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد. فأصبح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا. فقلت: أتجهز بعده يوما أو يومين ثم ألحقهم. فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز