ونصح لهم، فاتهموه وعصوه، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه. فخرجوا من عنده، حتى إذا أسحر وطلع الفجر، قام على غرفة له في داره فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله.
فزعموا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال حين بلغه قتله: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه.
وأقبل - بعد قتله - من وفد ثقيف بضعة عشر رجلا هم أشراف ثقيف، فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ، وفيهم عثمان بن أبي العاص بن بشر، وهو أصغرهم. حتى قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة يريدون الصلح، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامة العرب.
فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله، أنزل علي قومي فأكرمهم، فإني حديث الجرم فيهم. فقال: لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن منزلهم حيث يسمعون القرآن. وكان من جرم المغيرة في قومه أنه كان أجيرا لثقيف، وأنهم أقبلوا من مصر، حتى إذا كانوا ببصاق، عدا عليهم وهم نيام فقتلهم، ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، خمس مالي هذا. فقال: وما نبأه؟ فأخبره، فقال: إنا لسنا نغدر. وأبى أن يخمسه.
وأنزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد ثقيف في المسجد، وبنى لهم خياما لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خطب لم يذكر نفسه. فلما سمعه وفد ثقيف قالوا: يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله، ولا يشهد به في خطبته. فلما بلغه ذلك قال: فإني أول من شهد أني رسول الله.
وكانوا يغدون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل يوم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم. فكان عثمان كلما رجعوا وقالوا بالهاجرة، عمد إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله عن الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم. وكان إذا وجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نائما عمد إلى أبي بكر. وكان يكتم ذلك من أصحابه. فأعجب ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعجب منه وأحبه.