الانصراف، فأبى وقال: إن شئت خرجت إليك وحدي وأنت في جماعتك، وإن شئت تبارزنا، فإن ظفرت بك انصرف أصحابك إلي وكانوا شركائي في الغنيمة، وإن ظفرت بي صار أصحابي إليك. فقال له النعمان: يا يحيى، ويحك أنت حدثٌ، وقد بليت بالعجب. ولو كنت من أنفس قريش لما أمكنك معارة السلطان. وهذا الأمير هو أخو الخليفة. وإنا وإن فرقنا الدين أحب أن لا يجري على يدي قتل فارسٍ من الفرسان، فإن كنت تحب ما أحب من السلامة فاخرج إلي، ولا يبتلى بك وبي من يسوؤنا قتله، قال: فخرجا جميعا وقت العصر، فلم يزالا في مبارزة إلى الظلام، فوقف كل منهما على فرسه، واتكأ على رمحه، إلى أن غلبت النعمان عيناه، فطعنه اليهودي، فوقع سنان رمحه في منطقة النعمان، فدارت المنقطة وصار السنان يدور بدوران المنطقة إلى الظهر، واعتنقه النعمان وقال له: أغدرا يا ابن اليهودية؟ فقال له: أومحاربٌ ينام يا ابن الأمة؟ واتكأ عليه النعمان عند معانقته إياه، فسقط فوقه، وكان النعمان ضخما، فصار فوق اليهودي، فذبحه وبعث إلي برأسه. فلم يختلف علي بعدها أحد. ثم ولي بعدي دمشق سليمان بن المنصور، فانتهبه أهل دمشق وسبوا حرمه، ثم ولي بعده أخوه منصور، فكانت على رأسه الفتنة العظمى. ثم لم يعط القوم طاعة بعد ذلك، إلى أن افتتح دمشق عبد الله ابن طاهر سنة عشر ومائتين.
وكان السبب في صرفي عن دمشق للمرة الأولى أنني اشتهيت الاصطباح فأغلقت الأبواب. قال: فحضر الكاتب، فصار إليه بعض الحشم، فسأله أن يكتب له إلى صاحب النزل، فلم يمكن إخراج الدواة، واستعجله ذلك الغلام، فأخذ فحمةً، وكتب في خزفة بحاجته، فأخذ سليم حاجبي تلك الفحمة فكتب على الحائط: كاتبٌ يكتب بفحمة في الخزف، وحاجب لا يصل. فوافى صاحب البريد، فقرأ ما كتب سليم، فكتب بذلك إلى الرشيد، فوافى كتابه الرقة يوم الرابع، فساعة وقع بصره على الكتاب عزلني، وحبسني مائة يوم، ثم رضي عني بعد سنة. ثم قال لي بعد سنتين: بحقي عليك لما تخيرت ولاية أوليكها، فقلت: دمشق، فسألني عن سبب اختياري لها، فأخبرته باستطابتي هواءها، واستمرائي ماءها، واستحساني مسجدها وغوطها، فقال: قدرك اليوم