للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤلفاتُه رجالَ الإسلام من أولِ ظهورهِ حتى عصره، بله المعاصرينَ له. وهو في كتابته للترجمة فنانٌ تراجميٌّ مليء بفن التراجم يجد الباحثُ فيها دقةً متناهيةً في التعبير وحبكًا للترجمة تشدُّ القارئ إليها مع تعدد الموارد وانتقاء لأفضلها، وإبداء لآرائه الشخصية فيها (١).

وقد عانى الذهبيُّ كتابة "السيرة" وهو فَنٌّ خاص له مميزاته التي تجعله يختلف عن كتابة "الترجمة" المجردة، فكتب في سير الخلفاء الراشدين، وأئمة الفقه، والحديث، وغيرهم.

ومعرفة الذهبي الواسعة في الرجال دفعت تاج الدين السبكي الذي انتقده في بعض المواضع إلى القول: "إنه كان شيخَ الجرحِ والتعديل ورجل الرجال، وكأنما جُمعت الأمةُ في صعيدٍ واحد فنظرها ثم أخذ يعبر عنها إخبار مَنْ حَضَرها" (٢). وقد ازداد شأنه بعد عصره بحيث اعتبر هو والمزي مؤرخي القرن الثامن اللذين لا ينافسهما أحد (٣)، وعَدَّهُ الإمامُ السيوطيُّ المتوفى سنة ٩١١ هـ رأسَ طبقةٍ ذكر فيها القطب الحلبي المتوفى سنة ٧٣٥ هـ وابن سيد الناس المتوفى سنة ٧٣٤ هـ وشمس الدين المقدسي المتوفى سنة ٧٤٤ هـ وتقي الدين السبكي المتوفى سنة ٧٥٦ هـ وعلم الدين البرزالي المتوفى سنة ٧٣٩ هـ وشهاب الدين النابلسي المتوفى سنة ٧٥٨ هـ (٤)، وهم من أعلام الحُفَّاظِ المحدثين المؤرخين، وذكر أن المحدثين في عصره عيالٌ في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعةٍ أحدهم الذهبي (٥).

ومع أن براعة الذهبي التاريخية أكثر ما ظهرت في الرجال فإنه قد درس التاريخ السياسي، واختصر عددًا من المؤلفات الرئيسة فيه مثل تاريخ أبي شامة المتوفى سنة ٦٦٥ هـ وتاريخ أبي الفدا المتوفى سنة ٧٣٢ هـ وغيرهما، وأفاد من معظم التواريخ المعروفة في عصره ودرسها كسيرة ابن إسحاق المتوفى سنة ١٥١ هـ وتواريخ: الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هـ وابن الأثير المتوفى سنة


(١) انظر الباب الثاني من هذا البحث عند كلامنا على منهج الذهبي في تاريخ الإسلام.
(٢) السبكي: طبقات، ج ٩ ص ١٠١.
(٣) السخاوي: الإعلام، ص ٢٠٤.
(٤) السيوطي: طبقات الحفاظ، ورقة ٨٥ فما بعد (نسخة الإسكندرية).
(٥) المصدر نفسه، ورقة ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>