ألحوا علي في خلعكما، فخفت عليكما من القتل إن لم أفعل، فما كنت أصنع؟ أقتلهم؟ فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكما. فأكبا عليه فقبلا يده وضمهما إليه وانصرفا.
وفيها حكم محمد بن عمر الخارجي بناحية الموصل؛ ومال إليه خلق، فسار لحربه إسحاق بن ثابت الفرغاني، فالتقوا، فقتل جماعة من الفريقين، ثم أسر محمد وجماعة، فقتلوا وصلبوا إلى جانب خشبة بابك.
وفيها قويت شوكة يعقوب بن الليث الصفار، واستولى على معظم إقليم خراسان، وسار من سجستان ونزل هراة، وفرق في هذه الأموال.
وفيها قتل المنتصر بالله بالذبحة، وهي الخوانيق، وقيل: إنه سم، وبويع بعده المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم. وأمه أم ولد، اسمها مخارق.
وكان مليحا أبيض بوجهه أثر جدري، وكان ألثغ، ولما هلك المنتصر اجتمع القواد وتشاوروا، وذلك برأي ابن الخصيب، فقال لهم أوتامش: متى وليتم أحدا من ولد المتوكل لا يبقي منا أحدا، فقالوا: ما لها إلا أحمد بن المعتصم ولد أستاذنا، فقال محمد بن موسى المنجم سرا: أتولون رجلا عنده أنه أحق بالخلافة من المتوكل وأنتم دفعتموه عنها؟ ولكن اصطنعوا إنسانا يعرف ذلك لكم، فلم يقبلوا منه، وبايعوا أحمد المستعين وله ثمان وعشرون سنة، فاستكتب أحمد بن الخصيب، واستوزر أوتامش. فبينا هو قد دخل دار العامة في دست الخلافة، إذا جماعة من الشاكرية والغوغاء وبعض الجند، وهم نحو ألف، قد شهروا السلاح وصاحوا: المعتز يا منصور، ونشبت الحرب بين الفريقين، وقتل جماعة، فخرج المستعين عن دار العامة وأتى إلى القصر الهاروني، فبات به. ودخل الغوغاء دار العامة، فنهبوا خزائن السلاح، ونهبوا دورا عديدة. وكثرت الأسلحة واللامة عليهم، فأجلاهم بغا الصغير عن دار العامة، وكثرت القتلى بينهم. فوضع المستعين العطاء فسكنوا. وبعث بكتاب البيعة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد، فبايع له الناس، وأعطى المستعين أحمد بن الخصيب أموالا عظيمة.
ثم في هذه السنة، في رجب أو قبله، نفاه إلى أقريطش، ونهب أمواله بعد المحبة الزائدة، وذلك بتدبير أوتامش، وحطه عليه عند المستعين.
وفيها عقد المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر على العراق والحرمين