شيخا كبيرا رفع ملء كفيه ترابا فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود بسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عجب المسلمون بسجود المشركين معهم، ولم يكن المسلمون سمعوا ما ألقى الشيطان، وأما المشركون فاطمأنوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما ألقي في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثهم الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السجدة، فسجدوا تعظيما لآلهتهم. وفشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان، حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين؛ عثمان بن مظعون وأصحابه، وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا، وأن المسلمين قد أمنوا بمكة، فأقبلوا سراعا، وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأنزلت:(وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) الآيات. فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم، وكان عثمان بن مظعون وأصحابه فيمن رجع، فلم يستطيعوا أن يدخلوا مكة إلا بجوار، فأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون، فلما رأى عثمان ما يلقى أصحابه من البلاء، وعذب طائفة منهم بالسياط والنار، وعثمان معافى لا يعرض له، استحب البلاء، فقال للوليد: يا عم قد أجرتني، وأحب أن تخرجني إلى عشيرتك فتبرأ مني، فقال: يا ابن أخي، لعل أحدا آذاك أو شتمك؟ قال: لا والله ما اعترض لي أحد ولا آذاني. فلما أبى إلا أن يتبرأ منه أخرجه إلى المسجد، وقريش فيه كأحفل ما كانوا، ولبيد بن ربيعة الشاعر ينشدهم، فأخذ الوليد بيد عثمان وقال: إن هذا قد حملني على أن أتبرأ من جواره، وإني أشهدكم أني بريء منه، إلا أن يشاء. فقال عثمان: صدق، أنا والله أكرهته على ذلك، وهو مني بريء. ثم جلس مع القوم فنالوا منه.
قال موسى: وخرج جعفر بن أبي طالب في رهط من المسلمين فرارا بدينهم إلى الحبشة، فبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة، وأمروهما أن يسرعا ففعلا، وأهدوا للنجاشي فرسا وجبة ديباج، وأهدوا لعظماء الحبشة هدايا، فقبل النجاشي هديتهم، وأجلس