وأمّا المرأتان فأمّ منيع أسماء بنت عمرو بن عديّ، وأمّ عمارة نسيبة بنت كعب، حضرت ومعها زوجها زيد بن عاصم بن كعب، وابناها حبيب وعبد الله، وحبيب هو الذي مثّل به مسيلمة الكذّاب وقطّعه عضوا عضوا.
قال ابن إسحاق: فلمّا تفرّق النّاس عن البيعة، فتّشت قريش من الغد عن الخبر والبيعة، فوجدوه حقّا، فانطلقوا في طلب القوم، فأدركوا سعد بن عبادة، وهرب منذر بن عمرو، فشدّوا يدي سعد إلى عنقه بنسعة، وكان ذا شعر كثير، فطفقوا يحبذونه بجمّته ويصكّونه ويلكزونه، إلى أن جاء مطعم بن عديّ، والحارث بن أميّة، وكان سعد يجيرهما إذا قدما المدينة، فأطلقاه من أيديهم وخلّيا سبيله.
قال: وكان معاذ بن عمرو بن الجموح قد شهد العقبة، وكان أبوه من سادة بني سلمة، وقد اتّخذ في داره صنما من خشب يقال له مناف، فلما أسلم فتيان بني سلمة: معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو وغيرهما، كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيأخذونه ويطرحونه في بعض الحفر، وفيها عذر النّاس، منكّسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على إلهنا في هذه اللّيلة! ثم يلتمسه حتى إذا وجده غسّله وطهّره وطيّبه، ثم قال: أما والله لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزيته. فإذا أمسى ونام فعلوا به مثل ذلك، وفعل مرّات، وفي الآخر علّق عليه سيفه، ثم قال: إنّي والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، وهذا السيف معك، فلمّا كان الليل أخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبا ميتا فعلقوه وربطوه به وألقوه في جبّ عذرة، فغدا عمرو فلم يجده، فخرج يتبعه حتّى وجدوه في البئر منكّسا مقرونا بالكلب، فلمّا رآه أبصر شأنه، وكلّمه من أسلم من قومه فأسلم وحسن إسلامه، وقال:
تالله لو كنت إلها لم تكن أنت وكلب وسط بئر في قرن أفّ لمصرعك إلها مستدن الآن فتشناك عن سوء الغبن