للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حفصون حاصر حصن بلي في ثلاثين ألفًا. فخرج الأمير عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألف مقاتل، فهزم ابن حفصون، وتبعه قتلًا وأسرًا، حتى قيل: إنه لم ينج من الثلاثين ألفًا إلا النادر. وكان ابن حفصون من الخوارج.

وكان عبد الله أديبًا عالمًا. ذكر ابن حزم قال: حدثني محمد بن عبد الأعلى القاضي، وعلي بن عبد الله الأديب؛ قالا: كان الوزير سليمان بن وانسوس جليلًا أديبًا، من رؤساء البربر، فدخل على الأمير عبد الله بن محمد يومًا، وكان عظيم اللحية، فلما رآه الأمير مقبلًا أنشد:

هلوفة كأنها جوالق … نكداء لا بارك فيها الخالق

للقمل في حافاتها نفائق … فيها لباغي المتكى بوائق

وفي احتدام الصيف ظل رائق … إن الذي يحملها لمائق

ثم قال: اجلس يا بربري. فجلس متألمًا، فقال: أيها الأمير، إنما كان الناس يرغبون في هذه المنزلة ليدفعوا عن أنفسهم الضيم؛ فأما إذا صارت جالبة للذل فلنا دور تسعنا وتغنينا عنكم، فإن حلتم بيننا وبينها فلنا قبور تسعنا.

ثم اعتمد على يده وقام ولم يسلم. فغضب الأمير وأمر بعزله، وبقي كذلك مدة. ثم وجد الأمير لفقده ولصحبته، فقال: لقد وجدت لفقد سليمان تأثيرًا، وإن استعطفته كان ذلك غضاضةً علينا، فوددت أنه ابتدأنا بالرغبة.

فقال له الوزير محمد بن الوليد بن غانم: أنا أكلمه. فذهب إليه، فأبطأ إذنه عليه، ثم دخل فوجده قاعدًا لم يتزحزح، فقال: ما هذا الكبر؟ عهدي بك وأنت وزير السلطان وفي أبهة رضاه تلقاني وتزحزح لي صدر مجلسك. فقال: نعم، كنت حينئذٍ عبدًا مثلك، وأنا اليوم حر.

قال: فيئس ابن غانم منه فخرج ولم يكلمه، ورجع فأخبر الأمير؛ فابتدأ الأمير بالإرسال إليه، ثم ولاه.

وروى ابن حزم بسندٍ له أن الأمير عبد الله استفتى بقي بن مخلد في الزنديق، فأفتاه أنه لا يقتل حتى يستتاب وذكر خبرًا.

توفي عبد الله في غرة ربيع الآخر سنة ثلاث مائة، وولي الأندلس بعده حفيده الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد خمسين سنة.