عيسى النحوي، وأبو القاسم الداركي، وابن الدقاق الفقيه، وشكوا إليه ما دهم الإسلام من هذه الحادثة العظمى، فوعدهم بالغزو، ونادى بالنفير في الناس، فخرج من العوام خلق عدد الرمل، ثم جهز جيشا، وغزوا فهزموا الروم، وقتلوا منهم مقتلة كبيرة، وأسروا أميرهم وجماعة من بطارقته، وأنفذت رؤوس القتلى إلى بغداد، وفرح المؤمنون بنصر الله.
وصادر بختيار بن بويه المطيع، فقال: أنا ليس لي غير الخطبة، فإن أحببتم اعتزلت، فشددوا عليه حتى باع قماشه، وحمل أربعمائة ألف درهم، فأنفقها ابن بويه في أغراضه، وأهمل الغزو، وشاع في الألسنة أن الخليفة صودر، كما شاع قبله أن القاهر بالله كدى يوم جمعة، فانظر إلى تقلبات الدهر!
وفي شهر رمضان قتل رجل من أعوان الوالي في بغداد، فبعث الرئيس أبو الفضل الشيرازي - وكان قد أقامه عز الدولة على الوزارة - من طرح النار من النحاسين إلى السماكين، فاحترق حريق عظيم لم يشهد مثله، واحترقت أموال عظيمة وجماعة كثيرة من النساء، والرجال، والصبيان، والأطفال في الدور وفي الحمامات، فأحصي ما أحرق من بغداد فكان سبعة عشر وثلاثمائة دكان، وثلاثمائة وعشرين دارا، أجرة ذلك في الشهر ثلاثة وأربعون ألفا، ودخل في الجملة ثلاثة وثلاثون مسجدا. فقال رجل لأبي الفضل الشيرازي: أيها الوزير أريتنا قدرتك، ونحن نأمل من الله أن يرينا قدرته فيك، فلم يجبه، وكثر الدعاء عليه. ثم إن عز الدولة قبض عليه وسلمه إلى الشريف أبي الحسن محمد بن عمر العلوي، فأنفذه إلى الكوفة، وسقي ذراريح، فتقرحت مثانته، فهلك في ذي الحجّة من هذه السنة، لا رحمه الله.
وفي يوم الجمعة ثامن رمضان دخل المعز أبو تميم معد بن إسماعيل العبيدي مصر ومعه توابيت آبائه، وكان قد مهد له ملك الديار المصرية مولاه جوهر، وبنى له القاهرة، وأقام بها دارا للإمرة، وتعرف بالقصرين.
وفيها أقبل الدمستق في جيوشه إلى ناحية ميافارقين، فالتقاه ولد ناصر الدولة بن حمدان وهزم الروم، ولله الحمد، وأسر الدمستق الخبيث، وبقي