وقال طلحة بن محمد بن جعفر: استقضى المتقي لله سنة تسع وعشرين وثلاثمائة أبا طاهر محمد بن أحمد الذهلي، وله أبوة في القضاء، سديد المذهب، متوسط الفقه على مذهب مالك، وكان له مجلس يجتمع إليه المخالفون ويناظرون بحضرته، وكان يتوسط بينهم، ويتكلم بكلام سديد، ثم صرف بعد أربعة أشهر، ثم استقضي على الشرقية سنة أربع وثلاثين، وعزل بعد نحو خمسة أشهر.
وقال عبد الغني: سألت أبا الطاهر عن أول ولايته القضاء، فقال: سنة عشر وثلاثمائة. وقد كان ولي البصرة، وقال لي: كتبت العلم سنة ثمان وثمانين ومائتين ولي تسع سنين. قال: وقرأ القرآن كله وله ثمان سنين، وكان مفوهاً، حسن البديهة، شاعراً، حاضر الحجة، علامة، عارفاً بأيام الناس، وكان غزير الحفظ، لا يمله جليسه من حسن حديثه، وكان كريماً، ولي قضاء مصر سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة. وأقام على القضاء ثماني عشرة سنة.
قال الحافظ عبد الغني: وسمعت الوزير أبا الفرج يعقوب بن يوسف يقول: قال لي الأستاذ كافور: اجتمع بالقاضي أبي الطاهر فسلم عليه، وقل له: إنه بلغني أنك تنبسط مع جلسائك، وهذا الانبساط يقل هيبة الحكم، فأعلمته بذلك، فقال لي: قل للأستاذ: لست ذا مال أفيض به على جلسائي، فلا يكون أقل من خلقي، فأخبرت الأستاذ، فقال: لا تعاوده، فقد وضع القصعة.
قال عبد الغني: سمعت أحمد بن محمد بن سعرة، أنه سمع أبا بكر بن مقاتل يقول: أنفق القاضي أبو الطاهر بيت مال خلفه له أبوه.
قال عبد الغني: لما تلقى أبو الطاهر القاضي المعز أبا تميم بالإسكندرية ساءله المعز، فقال: يا قاضي كم رأيت من خليفة؟ قال: واحداً، قال: من هو؟ قال: أنت، والباقون ملوك، فأعجبه ذلك. ثم قال له: أحججت؟ قال: نعم. قال: وسلمت على الشيخين؟ قال: شغلني عنهما النبي صلى الله عليه وسلم، كما شغلني أمير المؤمنين عن ولي عهده، فازداد به المعز