للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان اهتمامُ الذهبيِّ الرئيس ينصب دائمًا على التراجم، وذلك يعكسُ مفهومه الأصلي للتاريخ، لذلك احتلت التراجمُ حيزًا كبيرًا من تاريخه. فإذا استثنينا الحقبة الأولى من كتابه (١ - ٤٠ هـ) فإنَّ كميةَ الحوادث لا يمكن أن تقارن بكمية التراجم، فإننا إذا أحصينا عددَ الأوراق التي سودها الذهبيُّ لتاريخ القرن السابع الهجري من "تاريخ الإسلام" - مثلًا - وجدناها تبلغ ١١٧٤ ورقة لم تحتل الحوادث منها غير ١٧٠ ورقة فقط (١)، وهذا يعني أنها تُكَوِّنُ ١٤.٤ % من الكتاب، علمًا أنها أقل من ذلك بالنسبة للقرون الأولى حيث بلغت للحقبة الواقعة بين سنتي ١٨١ - ٢٢٠ هـ ١٠ % فقط (٢). وقد جاء هذا التقصيرُ النسبي في الحوادث بسبب عدم استقصاء الذهبي لما ذكرته المصادرُ من حوادث واقتصاره على البعض منها. وقد صرح بذلك في أكثر من موضع، فقال في بداية حوادث الطبقة السادسة والستين: "وهذه نبذة مما جرى في هذه الطبقة من الحوادث" (٣)، وقوله في بداية حوادث الطبقة التاسعة والستين: "ذِكْرُ الحوادث الكائنة في هذه السنين العشر على الترتيب مختصرًا" (٤)، وهو منهجٌ اختطه الذهبيُّ لنفسه كما سيتضح عند كلامنا على الأسس التي اتبعها في انتقاء مادة الحوادث.

إن اختفاء العلاقة بين الحوادث والتراجم في كتاب "تاريخ الإسلام" هو الذي جعل الذهبيَّ فيما نعتقد لا يتبع نمطًا واحدًا في تجميع الحوادث، وجَوَّزَ لنفسه أنْ يذكرها متتابعةً كل عشر سنوات تارة وكل خمسين سنة تارة أخرى


(١) منها ٣٤ ورقة في المجلد الثامن عشر (أيا صوفيا ٣٠١١) و ٤٣ ورقة في الملجد التاسع عشر (أيا صوفيا ٣٠١٢) و ٣٧ ورقة في المجلد العشرين (أيا صوفيا ٣٠١٣) و ٥٦ ورقة في المجلد الحادي والعشرين (أيا صوفيا ٣٠١٤).
(٢) أجريت هذه الإحصائية على النسخة التي بخط الذهبي، فقد بلغت أوراق الطبقة التاسعة عشرة ١٣٨ ورقة احتلت الحوادث ١٢ ورقة منها، وبلغ عدد أوراق الطبقة العشرين ١٣١ ورقة منها ٢١ ورقة حوادث، وعدد أوراق الطبقة الحادية والعشرين ٨٤ ورقة منها ٨ أوراق حوادث، أما الطبقة الثانية والعشرون فبلغ عدد أوراقها ١٤٧ ورقة احتلت الحوادث ٩ أوراق منها فقط. فيكون مجموع عدد أوراق الطبقات الأربع ٥٠٠ ورقة منها ٥٠ ورقة حوادث. ونرى من المفيد أن نشير هنا إلى أن الذهبي كان يورد أسماء وفيات الكبار ضمن الحوادث فهي تحتل قسمًا غير قليل منها أيضًا.
(٣) الورقة ٢٠٤ (أيا صوفيا ٣٠١٣).
(٤) الورقة ١٩٧ (أيا صوفيا ٣٠١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>