ثم إلى غزْنة، فاتفق أن حشد إليه من أدنى ما وراء النهر زهاء عشرين ألفا من المطوعة، فحرك من السلطان محمود نفيرهم، ورد من نفوس المسلمين تكبيرهم، واقتضى رأيه أن يزحف بهم إلى قنوج، وهي التي أعيت الملوك غير كشتاسب على ما زعمته المجوس، وهو ملك الملوك في زمانه، فزحف السلطان بهم وبجنوده وعبرَ مياه سيحون وتلك الأودية التي تجل أعماقها عن الوصف، ولم يطأ مملكة من تلك الممالك إلا أتاه الرسول واضعا خد الطاعة، عارضا في الخدمة كنه الاستطاعة إلى أن جاء جنكي بن سمهي صاحب درب قشمير عالما بأنه بعثُ الله الذي لا يرضيه إلا الإسلام أو الحسام، فضمن إرشاد الطريق، وسار أمامه هاديا. فما زال يفتتح الصياصي والقلاع حتى مر بقلعة هردب، فلما رأى ملكُها الأرض تموج بأنصار الله ومن حولها الملائكة، زُلْزِلت قدَمُه، وأشفق أن يُراقَ دمه، ورأى أن يتقي بالإسلام بأس الله، وقد شُهِرت حدوده ونُشِرت بعذبات العذاب بنوده، فنزل في عشرة آلاف منادين بدعوة الإسلام.
ثم سار بجيوشه إلى قلعة كلجند، وهو من رؤوس الشياطين، فكانت له ملحمة عظيمة، هلك فيها من الكُفار خمسون ألفا، من بين قتيل وحريق وغريق. فعمد كلجند إلى زوجته فقتلها، ثم ألحق بها نفسه، وغنم السلطان مائة وخمسة وثمانين فيلا.