وورد كتاب من نصيبين أن ريحا سوداء هبت، فقلعت من بساتينها أكثر من مائتي ألف شجرة، وأن البحر جزر في تلك الناحية نحو ثلاثة فراسخ، وخرج الناس يتبعون السمك والصدف، فرد البحرّ فغرق بعضهم.
وكان بالرملة زلازل خرج الناس منها إلى البر، فأقاموا ثمانية أشهر، وهدمت الزلازل ثلث البلد، وتعدت إلى نابلس، فسقط بعض بنيانها، وهلك ثلاثمائة نفس، وخسف بقرية، وسقط بعض حائط بيت المقدس، وسقطت منارة عسقلان، ومنارة غزة.
وكثر الموت بالخوانيق ببغداد والموصل، وكان أكثره في النساء. واتصل الخبر بما كان بفارس من الوباء، حتى كانت الدور تسد على أصحابها.
وفيها أُسقط ما كان على الملح من الضريبة، وكان ارتفاعه في السنة نحو ألفي دينار. خاطب الملك في ذلك الدينوري الزاهد.
ثم عاد العيارون وانتشروا، واتصلت الفتن بأهل الكرخ مع أهل باب البصرة، ووقع القتال بينهما، وانشرت العرب ببادريا وقطربل، ونهبوا النواحي، وقطعوا السبل، ووصلوا إلى أطراف بغداد، وسلبوا الحريم في المقابر.
وعاد الجند إلى الشغب، وقويت أيديهم على خاص السلطان، واستوفوا الجوالي وحاصل دار الضرب.
وفي رمضان غرق البرجمي بفم الدجيل، أخذه معتمد الدولة فغرقه، فبذل له مالا كثيرا على أن يتركه، فلم يقبل. ودخل أخو البرجمي إلى بغداد، فأخذ أخا له من سوق يحيى، وخرج فتتبع وقتل.
وفي شوال روسل المرتضى بإحضار العيارين إلى داره، وأن يقول لهم: من أراد منكم التوبة قبلت توبته، ومن أراد خدمة السلطان استخدم مع صاحب المعونة، ومن أراد الانصراف عن البلد كان آمنا على نفسه ثلاثة أيام. فعرض ذلك عليهم، فقالوا: نخرج، وتجدد الفساد والاستيفاء.
وفي ذي القعدة انقض شهاب كبير مهول، ثم بعد جمعة انقض شهاب ملأ ضوؤه الأرض وغلب على ضوء المشاعل، وروع من رآه. وتطاول مكثه على ما جرت به عادة أمثاله، حتى قيل: انفرجت السماء لعظم ما شوهد منه.
وفي ذي الحجة وقع الفناء ببغداد، فذكر أنّه مات فيها سبعون ألفا.