للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأماكن المجاورة لهذا البلد تين مل، وهي مسيرة يوم في هذا الجبل، فانقطعوا فيه برهةً ريثما ينسى ذكركم، فلما سمع ابن تومرت بهذا الاسم تجدد له ذكر اسم الموضع الذي رآه في الكتاب، فقصده مع أصحابه، فلما أتوه رآهم أهل ذلك المكان على تلك الصورة، فعلموا أنهم طلاب علم، فتلقوهم وأكرموهم وأنزلوهم، وبلغ الملك سفرهم، فسر بذلك.

وتسامع أهل الجبل بوصول ابن تومرت، فجاؤوه من النواحي يتبركون به، وكان كل من أتاه استدناه، وعرض عليه ما في نفسه من الخروج، فإن أجابه أضافه إلى خواصه، وإن خالفه أعرض عنه.

وكان يستميل الشباب الأغمار، وكان ذوو الحلم والعقل من أهاليهم ينهونهم ويحذرونهم من اتباعه خوفًا عليهم من الملك، فكان لا يتم له مع ذلك حال، وطالت المدة، وكثرت أتباعه من أهل جبال درن، وهو جبل لا يفارقه الثلج، وطريقه ضيق وعر.

قال اليسع بن حزم: لا أعلم مدينة أحصن من تينملل، لأنها بين جبلين، ولا يسع الطريق إليها إلا الفارس، وقد ينزل عن فرسه في أماكن صعبة، وفيها مواضع لا يعبر فيها إلا على خشب، فإذا أزيلت خشبة لم يمر أحد، وهذه الطريق مسافة يوم، فأخذ أتباعه يغيرون على النواحي سبيًا وقتلًا، وتقووا وكثروا، ثم إنه غدر بأهل تينملل الذين آووه ونصروه، وأمر أصحابه، فقتلوا فيهم مقتلةً عظيمة، قاتله الله، فقال له الفقيه الإفريقي، وهو أحد العشرة، عندما فعل بأهل تينملل: قوم أكرمونا وأنزلونا دورهم قتلتهم؟ فقال لأصحابه: هذا شك في عصمتي، خذوه، فقتلوه وعلقوه على جذع.

قال: وكل ما أذكره من حال المصامدة فمنه ما شاهدته، ومنه ما أخذته بنقل التواتر.

وكان في وصيته إلى قومه إذا ظفروا بمرابطٍ أو أحدٍ من تلمسان أن يحرقوه، فلما كان في عام تسعة عشر خرج إليهم يومًا، فقال: تعلمون أن البشير الذي هو الونشريسي، إنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وإنه لا يثبت على

<<  <  ج: ص:  >  >>