مراكش، وملكها علي بن يوسف بن تاشفين، وكان ملكًا حليمًا، عادلًا، متواضعًا، وكان بحضرته مالك بن وهيب الأندلسي الفقيه، فأخذ ابن تومرت في الإنكار، حتى أنكر على ابنة الملك، وذلك في قصةٍ طويلة، فبلغ خبره الملك، وأنه يحدث في تغيير الدولة، فكلم مالك بن وهيب في أمره، وقال: نخاف من فتح بابٍ يعسر علينا سده، وكان محمد وأصحابه مقيمين في مسجدٍ خراب بظاهر البلد، فأحضروهم في محفلٍ من العلماء، فقال الملك علي: سلوا هذا ما يبغي، فكلموه، وقال: ما الذي يذكر عنك من القول في حق الملك العادل الحليم المنقاد إلى الحق؟ فقال: أما ما نقل عني، فقد قلته، ولي من ورائه أقوال، وأما قولك: إنه يؤثر طاعة الله على هواه، وينقاد إلى الحق، فقد حضر اعتبار صحة هذا القول عليه، ليعلم بتعريه عن هذه الصفة أنه مغرورٌ بما تقولون له وتطرونه به، مع علمكم أن الحجة عليه متوجهة، فهل بلغك يا قاضي أن الخمر تباع جهارًا، وتمشي الخنازير بين المسلمين، وتؤخذ أموال اليتامى؟ وعدد من ذلك أشياء، حتى ذرفت عينا الملك، وأطرق حياءً، ففهم الدهاة من كلامه طمعه في الملك، ولما رأوا سكوت الملك وانخداعه له لم يتكلموا، فقال مالك بن وهيب: إن عندي نصيحة، إن قبلها الملك حمد عاقبتها، وإن تركها لم آمن عليه، قال: وما هي؟ قال: إني خائف عليك من هذا الرجل، وأرى أن تسجنه وأصحابه، وتنفق عليهم كل يومٍ دينارًا، وإلا أنفقت عليه خزائنك، فوافقه الملك، فقال الوزير: أيها الملك، يقبح أن تبكي من موعظة هذا، ثم تسيء إليه في مجلسٍ واحد، وأن يظهر منك الخوف مع عظم ملكك، وهو رجل فقير لا يملك سد جوعه، فأخذت الملك العزة، واستهون أمره وصرفه، وسأله الدعاء.
وقيل: إنه لما خرج من عنده لم يزل وجهه تلقاء وجهه، إلى أن فارقه، فقيل له: نراك تأدبت مع الملك، فقال: أردت أن لا يفارق وجهي الباطل حتى أغيره ما استطعت.
ولما خرج قال لأصحابه: لا مقام لنا بمراكش مع وجود مالك بن وهيب، فإنا نخاف مكره، وإن لنا بأغمات أخًا في الله فنقصده، فلن نعدم منه رأيًا ودعاء، وهو الفقيه عبد الحق بن إبراهيم المصمودي، فسافروا إليه فأنزلهم، وبثوا إليه سرهم، وما جرى لهم، فقال: هذا الموضع لا يحميكم، وإن أحصن