وطرده، وكان إذا خاف من البطش وإيقاع الفعل به خلط في كلامه ليظنوه مجنونًا، فخرج إلى الإسكندرية، فأقام بها مدة، وركب البحر إلى بلاده.
وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرتين، فلما ركب السفينة شرع ينكر، وألزمهم بالصلاة والتلاوة، فلما انتهى إلى المهدية، وصاحبها يومئذٍ يحيى بن تميم الصنهاجي، وذلك في سنة خمسٍ وخمسمائة، فنزل بها في مسجد معلق على الطريق، وكان يجلس في طاقته، فلا يرى منكرًا من آلة الملاهي أو أواني الخمور إلا نزل وكسرها، فتسامع به الناس، وجاءوا إليه، وقرأوا عليه كتبًا في أصول الديانة، وبلغ خبره الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعةٍ من الفقهاء، فلما رأى سمته وسمع كلامه أكرمه، وسأله الدعاء، فقال له: أصلحك الله لرعيتك.
ثم نزح عن البلد إلى بجاية، فأقام بها ينكر كدأبه، فأخرج منها إلى قرية ملالة، فوجد بها عبد المؤمن بن علي القيسي، فيقال: إن ابن تومرت كان قد وقع بكتاب فيه صفة عبد المؤمن وصفة رجلٍ يظهر بالمغرب الأقصى من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى الله يكون مقامه ومدفنه بموضعٍ من المغرب، يسمى ت ي ن م ل، ويجاوز وقته المائة الخامسة، فألقي في ذهنه أنه هو، وأخذ يتطلب صفة عبد المؤمن فرأى في الطريق شابًا قد بلغ أشده على الصفة التي معه، فقال: يا شاب ما اسمك؟ قال: عبد المؤمن، فقال: الله أكبر، أنت بغيتي، فأين مقصدك؟ قال: المشرق لطلب العلم، قال: قد وجدت علمًا وشرفًا اصحبني تنله، ثم نظر في حليته فوافقت، وقال: ممن أنت؟ قال: من كومية، فربط الشاب، وألقى إليه سره.
وكان ابن تومرت قد صحبه عبد الله الونشريسي ممن تهذب وتفقه، وكان جميلًا، فصيحًا في العربية، فتحدثا يومًا في كيفية الوصول إلى الأمر المطلوب، فقال لعبد الله: أرى أن تستر ما أنت عليه من العلم والفصاحة عن الناس، وتظهر من العي واللكن والجهل ما تشتهر به، لتتخذ الخروج عن ذلك، وإظهار العلم دفعةً واحدة، فيكون ذلك معجزة، ففعل ذلك، ثم استدنى محمد أشخاصًا أجلادًا في القوى الجسمانية، أغمارًا، فاجتمع له ستة، فتوجهوا إلى