إلى قتال الفرنج، فقويت الفرنج، وتقهقر المسلمون إلى البلد، ونزل ملك الألمان بالميدان الأخضر، وأيقن الناس بأنه يملك البلد، وجاءت عساكر سيف الدين غازي، ونزلوا حمص، ففرح الناس وأرسل معين الدين يقول للفرنج الغرباء: إن ملك الشرق قد حضر، فإن رحلتم، وإلا سلّمت دمشق إليه، وحينئذ تندمون، وأرسل إلى فرنج الشام يقول لهم: بأي عقل تساعدون هؤلاء الغرباء علينا، وأنتم تعلمون أنهم إن ملكوا أخذوا ما بأيديكم من البلاد الساحلية؟ وأنا إذا رأيت الضعفَ عن حفظ البلد سلّمته إلى ابن زنكي، وأنتم تعلمون أنه إن ملَك لا يبقى لكم معه مقام بالشام، فأجابوه إلى التخلي عن ملك الألمان، وبذل لهم حصن بانياس، فاجتمعوا بملك الألمان، وخوّفوه من عساكر الشرق وكثرتها، فرحل وعاد إلى بلاده، وهي وراء القسطنطينية.
قلت: إنما كان جل قدومه لزيارة القدس، فلما ترحّلوا سار نور الدين محمود إلى حصن العزيمة، وهو للفرنج، فملكه، وكان في خدمته معين الدين أنُر بعسكر دمشق.
وفيها كان أول ظهور الدولة الغورية قصد سوري بن الحسين مدينة غزنة وملكها ثم حاربه بهرام شاه وأسره وقتله، ثم غضبت لقتله الغورية، وحشدوا وجمعوا، وكان خروجهم في سنة سبعٍ وأربعين.
وفيها نقب الحبس رضو ن، الذي كان وزير الحافظ صاحب مصر، وهرب على خيل أعدّت له، وعبر إلى الجيزة، وكان له في الحبس تسع سنين، وقد كنا ذكرنا أنه هرب إلى الشام، ثم قدم مصر في جمع كثير، فقاتل المصريين على باب القاهرة وهزمهم، وقتل خلقًا منهم، ودخل البلد، فتفرّق جمعه، وحبسه الحافظ عنده في القصر، وجمع بينه وبين أهله، وبقي إلى أن نقب الحبس، فأتى من الصعيد بجموع كثيرة، وقاتل عسكر مصر عند جامع ابن طولون فهزمهم، ودخل القاهرة، وأرسل إلى الحافظ يطلب منه رسم الوزارة عشرين ألف دينار، فبعثها إليه، ففرّقها، وطلب زيادة، فأرسل إليه عشرين ألفا أخرى، ثم عشرين ألفا أخرى، وأخذ الناس منه العطاء وتفرقوا، وهيأ الحافظ