الخيل فيهم قتلا، وكان عامتهم في العسكر. فلما أبصر ذلك المسلمون اجتمعوا، وصرخ صارخ: أخراكم أخراكم، قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فسقط في أيديهم، فقتل منهم من قتل، وأكرمهم الله بالشهادة. وأصعد الناس في الشعب لا يلوون على أحد، وثبت الله نبيه، وأقبل يدعو أصحابه مصعدا في الشعب، والمشركون على طريقه، ومعه عصابة منهم طلحة بن عبيد الله والزبير، وجعلوا يسترونه حتى قتلوا إلا ستة أو سبعة.
ويقال: كان كعب بن مالك أول من عرف عيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين فقد، من وراء المغفر. فنادى بصوته الأعلى: الله أكبر، هذا رسول الله، فأشار إليه - زعموا - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اسكت. وجرح سول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وكسرت رباعيته.
وكان أبي بن خلف قال حين افتدي: والله إن عندي لفرسا أعلفها كل يوم فرق ذرة، ولأقتلن عليها محمدا. فبلغ قوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله. فأقبل أبي مقنعا في الحديد على فرسه تلك يقول: لا نجوت إن نجا محمد. فحمل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال موسى: قال سعيد بن المسيب: فاعترض له رجال، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخلوا طريقه، واستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقتل مصعب. وأبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه فيها بحربته، فوقع أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم.
قال سعيد: فكسر ضلع من أضلاعه، ففي ذلك نزلت: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا: ما جزعك؟ إنما هو خدش. فذكر لهم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بل أنا أقتل أبيا. ثم قال: والذي نفسي بيده، لو كان هذا الذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون. فمات قبل أن يقدم مكة.
وقال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده، أن الزبير قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم سوق هند