للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتابات. وقد ظهرتْ شخصيتُه على أشدها في الأقسام الأخيرة من كتبه، وبخاصة تاريخ الإسلام، وتذكرة الحُفَّاظ، وسيرِ أعلامِ النبلاء، ومعرفة القُرَّاء الكبار وغيرها. يضاف إلى أن ما وصلَ إلينا من كتابات للذهبي في الحديث والتاريخ والعقائد، يُوضِّحُ جوانبَ غير معروفة من سيرته، فكان أنْ جمعنا ما تَناثَر منها في ثنايا كتبه من نصوص أفادتنا في دراسة سيرته مدققين تلكم النصوص ومقارنينَ إياها بما حَفِظَتْهُ لنا كُتبُ التراجم على مَر العصور.

فضلًا عن أن الإمامَ الذهبيَّ ترك لنا ثلاثة معجمات لشيوخه: المعجم الكبير، والمعجم الأوسط، والمعجم الصغير، وقد وصل إلينا معجمه الكبير (١)، ومعجمه الصغير (٢).

ومعلومٌ أنَّ أيَّ معجم للشيوخ يمثلُ في حقيقته سجلًا أمينًا لتطور سيرةِ صاحبهِ العلمية، وقائمة بشيوخه الذين كان على اتصالٍ وثيقٍ بهم بحُكْم رؤيتِه لهم واتِّصالهِ بهم وتَتَلْمُذِه عليهم، ومن ثَمَّ فإن دراسته تؤدي بالباحَث إلى تَلَمُّس الطريق الذي اتخذته دراساته ولقاؤه المشايخ وما أَخَذَ عنهم، وأسماء الكتب والأجزاء التي سمعها منهم مما يشيرُ إلى نوعيةِ اهتمامِه واتجاهاته العلمية، ولذلك فإنها تُعَدُّ من أنفس المصادرِ والمنابع التي يستقي منها الباحثون الكاتبون في سير العلماء، فضَلًا عن أنها تكون المادة الرئيسة لمؤلفي كتب التراجم والرجال خاصة أولئك الذين لم يدركوا عصرَ المؤلف، وإن لم يشيروا إلى ذلك دائمًا (٣).

وقد عنيتُ عنايةً كبيرةً بمعجمه الكبير ودرستُه بإمعانٍ ورويَّةٍ، وتَحصَّلَتْ


(١) سيأتي الكلام عليه مفصلًا بعد قليل.
(٢) منه نسخة بدار الكتب الظاهرية برقم (١٢ مجموع) ويسمى "المعجم اللطيف" أيضًا وهو من تخريج الذهبي نفسه.
(٣) انظر بحثنا: "معاجم الشيوخ والمشيخات وأهميتها في دراسة التاريخ الإسلامي" مجلة الأقلام البغدادية ج ٧ السنة الخامسة (١٩٦٩) ص ٦١ فما بعد، ودراستنا عن ابن الدبيثي في المجلة التاريخية (العدد الثالث ص ١١ - ١٢)، ومقدمتنا لـ "مشيخة النعال البغدادي" ص ٥ فما بعد (مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد ١٩٧٥ م بالاشتراك مع عمي العلامة الدكتور ناجي معروف). وقد ذكر السخاوي في الجواهر والدرر أن الذهبي ألف سيرة لنفسه (ص ٧٤٦) ولكنها لم تصل إلينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>