أخذ ذلك من الحروف، وإنّما أخذه فيما زعم من غلبت الرّوم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين فبنى الأمر على التاريخ كما يفعل المنجّمون، ثم ذكر أنهم يغلبون في سنة كذا، وفي سنة كذا، على ما تقتضيه دوائر التقدير.
وهذه نجامة وافقت إصابة إن صحّ أنّه قال ذلك قبل وقوعه، وليس ذلك من الحروف، ولا هو من قبيل الكرامات؛ فإنّ الكرامة لاتكتسب، ولا تفتقر إلى تاريخ، ولذلك لم يوافق الصّواب لمّا أراد الحساب على القراءة الأخرى الشّاذّة وهي غلبت بالفتح، ويوضح ذلك أنه قال في سورة القدر: لو علم الوقت الذي نزل فيه القرآن لعلم الوقت الذي يرفع فيه. فهذا ما ذكره.
ومن كتاب إلى الديوان: أشقى الأمراء من سمّن كيسه وأهزل الخلق، وأبعدهم من الحق من أخذ المكس وسمّاه الحق. ولمّا فتحنا الرّقّة أشرفنا على سحت يؤكل، وظلم ممّا أمر الله به أن يقطع، وأمر الظالمون أن يوصل - فأوجبنا على كافّة الولاة من قبلنا أن يضعوا هذه الرسوم بأسرها، ويلقوا الرعايا من بشائر أيام ملكنا بأسرها، وتعتق الرقّة من رقها، وتسدّ هذه الأبواب وتعطّل، وتنسخ هذه الأمور وتبطل، ويعفى خبر هذه الضرائب من الدواوين، ويسامح بها جميعها جميع الأغنياء والمساكين مسامحة ماضية الأحكام، دائمة الخلود، خالدة الدوام، تامّة البلاغ، بالغة التمام، ملعونا من يطمح إليها ناظره.
ومنه: وإذا ولاّه أمير المؤمنين ثغرًا لم يثبت في وسطه، ولم يقم في ظل غرفه، بل يبيت السّيف له ضجيعًا، ويصبح ومعترك الحرب له ربيعًا، لا كالذين يغبون أبواب الخلافة إغباب الاستبداد، ولا يؤامرونها في تصرّفاتها مؤامرة الاستعباد، وكأن الدنيا لهم إقطاع لا إيداع، وكأن الإمارة لهم تخليد لا تقليد.
وكأن السلاح عندهم زينة لحامله ولابسه، وكأن مال الله عندهم وديعة لا عذر لمانعه ولا لحابسه. وكأنهم في البيوت الدّمى في لزوم خدورها، لا في مستحسنات صورها. راضين من الدّين بالعروة اللقبية، ومن إعلاء كلمته