للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجانيق، فجاءتها نجدات الفرنج من كل فجّ، وأجلبوا وطلبوا. واغتنم السلطان خلوّ السواحل منهم، ورأى أنّ حصارهم يطول، فسار ونزل الغور وهجم نابلس، فقتل وسبى، وطلع على عقبة فيق، ودخل دمشق.

وأما ابن الأثير فقال: نازل الكرك، ونصب المنجنيقات على ربضه وملكه، وبقي الحصن وهو والرّبض على سطح واحد، إلاّ أنّ بينهما خندقًا عظيمًا، عمقه نحو ستين ذراعًا.

فأمر السلطان بإلقاء الأحجار والتراب فيه ليطمّه، فلم يقدروا على الدنوّ منه لكثرة النشّاب وأحجار المجانيق، فأمر أن يلقى من الأخشاب واللّبن ما يمكن الرجال يمشون تحت السقائف، فيلقون في الخندق ما يطمّه، ومجانيق المسلمين مع ذلك ترمي الحصن ليلًا ونهارًا.

فاجتمعت الفرنج عن آخرها، وساروا عجلين، فوصل صلاح الدّين إلى طريقهم يتلقّاهم، فقرب منهم، ولم يمكن الدنوّ منهم لخشونة الأرض وصعوبة المسلك. فأقام ينتظر خروجهم إليه، فلم يبرحوا منه، فتأخّر عنهم، فساروا إلى الكرك.

فعلم صلاح الدّين أنّه لا يتمكّن منهم حينئذ، ولا يبلغ غرضه، فسار إلى نابلس، ونهب كل ما على طريقه من قرى الفرنج، وأحرق نابلس وأسر وسبى، واستنقذ الأسرى. وبثّ السّرايا يمينًا وشمالًا.

قال: وفي شعبان خرج ابن غانية الملثّم وهو علي بن إسحاق، من كبار الملثّمين الذين كانوا ملوك المغرب، وهو حينئذ صاحب ميورقة - إلى بجاية، فملكها بقتال يسير. وذلك إثر موت يوسف بن عبد المؤمن، فقويت نفس ابن غانية وكثر جموعه، ثم التقاه متولي بجاية، وكان غائبًا عنها.

وكسر علي متولي بجاية، فانهزم إلى مرّاكش، واستولى ابن غانية على أعمال بجاية سوى قسنطينية الهواء، فحصرها إلى أن جاء جيش الموحدين في صفر سنة إحدى وثمانين في البر والبحر إلى بجاية، فهرب منها أخوا ابن غانية فلحقا به.

فترحّل عن قسنطينية، وسار إلى إفريقية، فحشد وجمع، والتف عليه سليم ورياح والترك الذين كانوا قد دخلوا من مصر مع قراقوش وبوزبا.

وصاروا في جيش عظيم، فتملّك بهم ابن غانية جميع بلاد إفريقية سوى تونس والمهديّة، حفظتهما عساكر الموحدين على شدة وضيق نالهم. وانضاف إلى ابن غانية كل

<<  <  ج: ص:  >  >>