الثلاثة. فلما أصبحوا حكموا عليهم بالرحيل، فلم يمكنهم المخالفة، فرحلوا ليومهم، وهو يوم السبت المذكور، نحو الرملة، ناكصين على أعقابهم. ثم نزلوا الرملة، وتواتر الخبر بذلك إلى السّلطان، وكان يوم فرح وسرور.
ثم ورد رسول الإنكلتير في الصلح يقول: قد هلكنا نحن وأنتم، والأصلح حقن الدماء، ولا تغتر بتأخيري عن منزلتي، فالكبش يتأخر لينطح. وهذا ابن أختي كندهري قد ملكته هذه الديار، وسلمته إليك يكون بحكمك. وإن جماعة من الرهبان قد طلبوا منك كنائس، فما بخلت بها عليهم، وأنا أطلب منك كنيسة في القدس، وما راسلتك به مع الملك العادل قد تركته، يعني من طلبه القدس وغيرها، ولو أعطيتني قرية أو مقرعة لقبلتها. فاستشار السّلطان الأمراء، فأشاروا بالصلح لما بهم من الضجر والتعب وعلاهم من الديون. فاستقر الحال على أن الجواب ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وابن أختك يكون كبعض أولادي، وسيبلغك ما أفعل معه، وأنا أعطيك أكبر الكنائس، وهي القمامة، والبلاد التي بيدك بيدك، وما بأيدينا من القلاع الجبلية يكون لنا، وما بين العملين يكون مناصفة، وعسقلان وما وراءها يكون خرابًا.
فانفصل الرسول طيب القلب. ثم ورد رسوله يقول: أن يكون لنا في القدس عشرون نفرًا، وإن من سكن من النصارى والفرنج في القدس لا يُتعرض لهم، وأما بقية البلاد فلنا منها الساحليات والوطاة، والبلاد الجبلية لكم. فأجابه السّلطان بأن القدس ليس لكم فيه سوى الزيارة. فقال الرسول: وليس على الزوار شيء؟ فقال السّلطان: نعم. وأطلق لهم بلاد عسقلان يزرعونها، وأن تكون قرى الداروم مناصفة.
وفيها قسم السّلطان صلاح الدّين عمارة سور بيت المقدس على أخيه وأولاد أخيه. ولم يزل مُجدًا في عمارتها حتى ارتفعت.
وفيها كان خلاص سيف الدّين علي المشطوب أمير عكا من الأسر على مال قرره. ثمّ مات في آخر شوال. فعين السّلطان ثلث نابلس لمصالح بيت المقدس وباقيها للأمير عماد الدّين أحمد ابن المرحوم سيف الدّين المشطوب.