وكان مما قالوه في الرسالة: إنك إن أردتنا نقيم بالقدس فتكون أنت معنا أو بعض أهلك، وإلا فالأكراد لا يدينون للأتراك، ولا الأتراك يدينون للأكراد. فانفصل الحال على أن يقيم من أهله الملك مجد الدين صاحب بعلبك.
وكان رحمه اللَّه يحدِّث نفسه بالمقام، ثمّ امتنع من ذلك لما فيه من خطر الإسلام، فلما صلينا الصبح قلت له: ينبغي أن ترجع إلى الله تعالى، وهذا يوم جمعة، وفيه دعوة مُستجابة، ونحن في أبرك موضع. فالسّلطان يغتسل الجمعة ويتصدق بشيء سرًا، وتصلي بين الأذان والإقامة ركعتين تناجي فيهما ربك، وتفوض مقاليد أمورك إليه، وتعترف بعجزك عما تصديت له، فلعله يرحمك ويستجيب لك. وكان رحمه الله حسن الاعتقاد، تام الإيمان، يتلقى الأمور الشرعية بأحسن انقياد. فلما كان وقت الجمعة صليت إلى جانبه في الأقصى، وصلى ركعتين، ورأيته ساجدًا ودموعه تتقاطر. ثم انقضت الجمعة. فلما كان العشي وصلت رقعة من عز الدّين جرديك، وكان في اليزك، يقول فيها: إن القوم قد ركبوا بأسرهم، ووقفوا في البر على ظهر، ثمّ عادوا إلى خيامهم، وقد سيرنا جواسيس تكشف.
ولما كان من الغد يوم السبت، وهو الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، وصلت رقعة أخرى تخبر أن الجواسيس رجعوا، وأخبروا أن القوم اختلفوا في الصعود إلى القدس أو الرحيل إلى بلادهم، فذهب الفرنسيسة إلى الصعود إلى القدس وقالوا: إنما جئنا بسببه ولا نرجع. وقال الإنكلتير: إن هذا الموضع قد أفسدت مياهه ولم يبق حوله ماء، فمن أين نشرب؟ قالوا: نشرب من نهر نقوع، وهو على فرسخ من القدس؛ فقال: كيف نذهب إليه؟ قالوا: نتقسم، فقسم يذهب إلى السقي، وقسم يبقى على البلد، فقال: إذًا يأخذ العسكر البراني الذي لهم من يذهب مع الدواب، ويخرج عسكر البلد على الباقين. فانفصل الحال على أنهم حكموا ثلاثمائة من أعيانهم، وحكم الثلاثمائة اثني عشر منهم، وحكم الاثنا عشر ثلاثة منهم، وقد باتوا على حكم