المعروف، نهض إليه بأشد غضب وقال: ويلك ما هذه البدعة؟ وكان الرجل قد زور في نفسه كلامًا لطيفا يلاطفه به، فأعجله عن ذلك، فرمى الدنانير بين يديه، فضربه على رأسه، فصارت عمامته حلقًا في عنقه، وأنزله من السلم وهو يرمي بالدنانير على رأسه، ويلعن أهل القصر.
ثم إن العاضد توفي، وتهيب صلاح الدين أن يخطب لبني العباس خوفًا من الشيعة، فوقف الخُبوشاني قُدام المنبر بعصاه، وأمر الخطيب أن يذكر بني العباس، ففعل، ولم يكن إلا الخير. ووصل الخبر إلى بغداد، فزينوا بغداد وبالغوا، وأظهروا من الفرح فوق الوصف.
ثم إن الخُبُوشاني أخذ في بناء ضريح الشافعي، وكان مدفونًا عنده ابن الكيزاني، رجلٌ ينسب إلى التشبيه، وله أتباع كثيرون من الشارع.
قلت: بالغ الموفق، فإن هذا رجلٌ سُني يلعن المشبهة، توفي في حدود الستين وخمسمائة.
قال: فقال الخبوشاني: لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد. وجعل ينبش ويرمي عظامه وعظام الموتى الذين حوله، فشد الحنابلة عليه وتألبوا، وصار بينهم حملات حربية، وزحفات إفرنجية، إلى أن غلبهم وبنى القبر والمدرسة، ودرس بها. وكان يركب الحمار، ويجعل تحته أكسية لئلا يصل إليه عرقُه. وجاء الملك العزيز إلى زيارته وصافحه، فاستدعى بماءٍ وغسل يده وقال: يا ولدي إنك تمسك العنان، ولا يتوقى الغلمان عليه. فقال: اغسل وجهك، فإنك بعد المصافحة لمست وجهك. فقال: نعم. وغسل وجهه.
وكان أصحابه يتلاعبون به، ويأكلون الدنيا بسببه، ولا يسمع فيهم قولًا، وهم عنده معصومون.
وكان متى رأى ذميًا راكبًا قصد قتله، فكانوا يتحامونه، وإنه ظفر بواحد منهم، فوكزه بالمقرعة، فأندر عينه وذهبت هدرًا. وكان هذا طبيبًا يُعرف بابن شوعة؛ وكان صلاح الدين لما توجه إلى الفرنج نوبة الرملة خرج في عسكرٍ كثيفٍ فيهم أربعة عشر ألف فارس من مزيحي العلل، وجاء إلى وداعه، فالتمس منه أن يُسقط رسومًا لا يمكن إسقاطها، فساء عليه خُلُقه وقال: قم لا نصرك الله، ووكزه بعصا، فوقعت قلنسوته عن رأسه. فوجم لها، ثم نهض