للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع كل هذا فإن سعة التراجم في "تاريخ الإسلام" تتباين الواحدة عن الأخرى، فقد لا تزيد على بضعة أسطر، وقد تبلغ أوراقًا عديدة. وقد انتقده تلميذه تاج الدين السبكي "ت ١٧٧ هـ" على خطته في تطويل التراجم وتقصيرها واعتبر ذلك من باب التعصب والهوى العقائدي، فذكر أن تطويل التراجم وتقصيرها مسألة يغفل عنها الكثيرون، وتكلم على هذه المسألة في عموم المؤرخين فقال: "فرب محتاط لنفسه لا يذكر إلا ما وجده منقولًا، ثم يأتي إلى من يبغضه فينقل جميع ما ذكر من مذامه، ويحذف كثيرًا مما نقل في مَمَادِحِه، ويجيء إلى مَنْ يُحبه فيعكسُ الحالَ فيه، ويظنُّ المسكينُ أنه لم يأتِ بذنب، لأنه ليس يجب عليه تطويل ترجمةِ أحدٍ، ولا استيفاء ما ذكر من ممادحه، ولا يظن المغتر أن تقصيره لترجمته بهذه النية استزراء به وخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين في تأدية ما قيل في حَقِّه من حَمْد وذم" (١). ثم خصص الذهبي فقال: "ولقد وقفت في تاريخ الذهبي على ترجمة الشيخ الموفق (٢) ابن قدامة الحنبلي، والشيخ فخر الدين (٣) ابن عساكر، وقد أطال تلك وقصر هذه وأتى بما لا يشك لبيبٌ أنه لم يحمله على ذلك إلا أن هذا أشعري وذاك حنبلي، وسيقفون بين يدي رب العالمين" (٤). وكلام السبكي هذا جزء من نقده الشديد للذهبي الذي سوف نتكلم عليه في موضع آخر إن شاء الله (٥).

وقد ظهر لنا نتيجة دراستنا لهذه الناحية في "تاريخ الإسلام" أن السبكي قد بالغ في نقده بسبب من تعصبه الشديد للأشاعرة، فقد تبين أن الذهبيَّ راعى في أكثر الأحايين، وليس في جميعها قيمةَ الإنسان وشهرته بين أهل علمه أو


(١) السبكي: الطبقات، ج ٢ ص ٢٣ - ٢٤.
(٢) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة ٦٢٠ هـ وكان من كبار العلماء الزهاد، وهو صاحب التصانيف المشهورة المطبوعة المتداولة ومن أشهرها كتاب "المغني" وقد ترجم له الذهبي في سبع أوراق ٢٠٤ - ٢١٠ (أيا صوفيا ٣٠١١) علمًا أن الذهبي قد ألف كتابا في سيرته (انظر: الذهبي ومنهجه ٢٠٦).
(٣) هو فخر الدين عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر ابن أخي الحافظ أبي القاسم بن عساكر صاحب التاريخ المشهور، وقد توفي فخر الدين هذا سنة ٦٢٠ هـ أيضًا، وكان من كبار الشافعية بالشام آنذاك، وترجم له الذهبي في ثلاث أوراق تقريبًا ٢١٣ - ٢١١ (أيا صوفيا ٣٠١١).
(٤) السبكي: الطبقات، ج ٢ ص ٢٤.
(٥) انظر أدناه الفصل الخاص بالنقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>