رباح وقد هرب أهلها، فدخلها وجعل كنيستها مسجدًا، واستولى على ما حول طليطلة من الحصون، ورد إلى إشبيلية.
ثم قصد الروم من إشبيلية في سنة اثنتين وتسعين، فنزل على مدينة طليطلة بجيوشه، فقطع أشجارها، وأنكى في الروم نكاية بينة ورجع. ثم عاد في المرة الثالثة، وتوغل في بلاد الروم، ووصل إلى مواضع لم يصل إليها ملك من ملوك المسلمين، ورجع، فأرسل الأذفنش يطلب المهادنة، فهادنه عشر سنين، وعبر بعد هذا إلى مراكش في سنة أربع وتسعين.
قال: وبلغني عن غير واحد أنه صرح للموحدين بالرحلة إلى المشرق، وجعل يذكر لهم البلاد المصرية وما فيها من المناكر والبدع ويقول: نحن إن شاء الله مطهروها. ولم يزل هذا عزمه إلى أن مات في صدر سنة خمس.
وكان في جميع أيامه مؤثرًا للعدل بحسب طاقته، وبما يقتضيه إقليمه والأمة التي هو فيها.
وكان يتولى الإمامة بنفسه في الصلوات الخمس أشهرًا إلى أن أبطأ يومًا عن العصر حتى كادت تفوت، فخرج وأوسعهم لومًا وقال: ما أرى صلاتكم إلا لنا، وإلا فما منعكم أن تقدموا رجلًا؟ فقد قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف حين دخل وقت الصلاة، وهو غائب، أما لكم أسوة؟ فكان ذلك سببًا لقطعه الإمامة.
وكان يقعد للناس عامة لا يحجب عنه أحد، حتى اختصم إليه رجلان في نصف درهم، فقضى بينهما وأمر بضربهما قليلًا، وقال: أما كان في البلد حكام قد نصبوا لهذا.
ثم بعد هذا بقي يقعد في أيام مخصوصة. واستعمل على القضاء أبا القاسم بن بقي، وشرط عليه أن يكون قعوده بحيث يسمع حكمه في جميع القضايا وهو من ورائه ستر.
وكان يدخل إليه أمناء الأسواق في الشهر مرتين، فيسألهم عن أسواقهم، وأسعارهم، وحكامهم. وكان إذا وفد عليه أهلُ بلد سألهم عن ولاتهم وقضاتهم، فإذا أثنوا خيرًا قال: اعلموا أنكم مسؤولون عن هذه الشهادة يوم القيامة. وربما تلا: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط.