للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وها أنا أقول لك ما فيه الراحة، وأعتذر عنك ولك على أن تفي لي بالعهود والمواثيق، وكثرة الرهائن، وترسل إلي جملة من عبيدك بالمراكب والشواني، فأجوز بحملتي إليك، وأقاتلك في أعزّ الأماكن لديك، فإن كانت لك فغنيمة كبيرة جُلِبت إليك، وهدية عظيمة مَثَلَت بين يديك، وإن كانت لي كانت اليد العُليا لي عليك، واستحقَّيت إمارة الملّتين، والحكم في البرّين.

فلمّا وصل كتابه إلى أبي يوسف مزّقه وقطّعه، وكتب على قطعةٍ منه: ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون الجواب ما ترى لا ما تسمع، وهذا البيت، وهو للمتنبي:

ولا كتْبَ إلا المشرفيةُ عندنا ولا رُسُلٌ إلا الخميس العرمرم

ثم استنفر الناس، وجمع الجيوش، فكانوا مائة ألف في الديوان، ومائة ألف مطوعة، وسار إلى زقاق سبتة، فعدى منه إلى الأندلس، وطلب الأذفنش، فكان المصاف عند قلعة رباح شمالي قرطبة، ففتح الله ونصر، وكانت ملحمة هائلة قل أن وقع مثلها في الإسلام. قيل: إنه حصل منها لبيت المال من دروعهم ستون ألف درع. وأما الدواب فلم يُحصر لها عدد.

وذكر ابن الأثير في الكامل، أن عدد من قتل من الفرنج مائة ألف وستة وأربعون ألفًا، وقتل من المسلمين نحو من عشرين ألفًا، وأسر من الفرنج ثلاثة عشر ألفًا، وغنم المسلمون منهم شيئًا عظيمًا، فمن الخيام مائة ألف وثلاثة وأربعون ألفًا، ومن الخيل ستة وأربعون ألفًا، ومن البغال مائة ألف، ومن الحمير مائة ألف. ونادى يعقوب: من غنم شيئًا فهو له سوى السلاح.

ثم إنه سار إلى طليطلة فحاصرها، وأخذ أعمالها، وترك الفرنج في أسوأ حال، ورجع إلى إشبيلية، فأقام إلى أثناء سنة ثلاثٍ وتسعين، فعاد وأغار وسبى، ولم يبق للفرنج قدرة على ملتقاه، فالتمسوا الصلح، فأجابهم لما اتصل إليه من أخبار ابن غانية الميورقي الذي خرج عليه في سنة ثمانين، وهو علي بن إسحاق الملثَّم، وقام بعده أخوه يحيى بن إسحاق، فاستولى على بلاد إفريقية، واستفحل أمره، فهادن أبو يوسف الفرنج خمسة أعوام، وعاد إلى مراكش، وشرع في عمل الأحواض والروايا والآلات للبرية ليتوجه إلى إفريقية،

<<  <  ج: ص:  >  >>