للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السيد " (١).

ومع أن الذهبيَّ كان عظيم الاهتمام بالمحدثين شديدَ الكَلَفِ بهم، إلا أننا وجدناه يترجم لهم تراجم قصيرة عمومًا إذا قيست بتراجم الشعراء والزهاد والصوفية والمتكلمين إذا استثنينا بعض أعلامهم المشهورين جدًّا مثل البخاري (٢) وأحمد بن حنبل (٣) والزهري (٤) وعبد الله بن المبارك (٥) ونحوهم.

على أن هذا الذي قلته لا يعني أنه لم يتأثر إطلاقًا بعقيدته وآرائه ونظرته إلى العلوم في فهم المترجمين وتطويل تراجمهم أو تقصيرها، فهذا أمرٌ يُجانبُ الطبيعةَ البشرية وهو موجود عند جميع المؤرخين، لكننا نشير إلى محاولاته الجدية في الموازنة وإلى أنه لم يفعل ذلك عن هوىً وتَقَصُّدٍ إنما دفعته بيئته وثقافته في كثير من الأحيان إلى الإعجاب بشخصٍ ما وتقديره، وعليه فإن تطويل الترجمة وتقصيرها يجب أنْ يُنظرَ إليه بمنظار ينفذ خلال المؤلف أولًا من أجل كشف معاييره واتجاهاته الفكرية. وعلى أساسٍ من هذا يجب أن تفهم انتقاداتُ العلماء بعضهم لبعض مثل هذه المسائل، وإلا فإن مآخذ السبكي على الذهبي يمكن تطبيقها على السبكي نفسه ويكفي أن نتذكر تراجمه في طبقات الشافعية لنعلم ذلك.

ونحن على أي حال يجب أنْ نعترفَ بأنَّ التاريخ كان أبدًا ضحية أمزجة المؤرخين المسلمين في الإطناب والإيجاز ونوعية المعلومات التي يهتمون بها ويلتفتون إليها دون غيرها ويدونونها في كتبهم استنادًا إلى أذواقهم ومفاهيمهم. وتفضل بعد كل هذا الذي قلته واسأل متعجبا: كيف ترجم الذهبي لواحد من أعظم الرياضيين هو البوزجاني المتوفى سنة ٣٨٧ هـ في سطرين فقط؟! (٦) ثم سرعان ما يتبدد استعجابك (٧) حينما تعلم أنه لم يدر يومًا من هذه العلوم شيئًا، ولم ينل منها حظًا، بله اعتباره الرياضيات والهندسة والفلك من "الصنائع المظلمة"!! (٨).


(١) الورقة ٤٧ (أيا صوفيا ٣٠١٤).
(٢) ٦/ ١٤٠ - ١٦٤.
(٣) وقد تكلم على المحنة في أثنائها فاستغرقت من ترجمته قسمًا كبيرًا (٥/ ١٠٣٦ - ١٠٤٩).
(٤) ٣/ ٤٩٩ - ٥١٨.
(٥) الورقة ٨٩ - ١٠١ (أيا صوفيا ٣٠٠٦).
(٦) الورقة ١٩٤ (أيا صوفيا ٣٠٠٨).
(٧) قال الزمخشري في (ع ج ب) من أساس البلاغة (ص ٦١٤): الاستعجاب: فرط التعجب.
(٨) الورقة ٢٦٣ (أيا صوفيا ٣٠٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>