وسمعتُ القاضي أبا حفص عمر بن علي الهكاري بنابلس يقول: رأيتُ الحافظ عبد الغني في النوم كأنه قد جاء إلى بيت المقدس، فقلت: جئت غير راكب؟ فقال: أنا حملني النبي صلى الله عليه وسلم.
سمعت الحافظ أبا موسى قال: حدثني رجل من أصحابنا، قال: رأيت الحافظ في النوم، وكان يمشي مستعجلاً، فقلت: إلى أين؟ قال: أزور النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: وأين هو؟ قال: في المسجد الأقصى. فإذا النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه. فلما رأى الحافظ قام صلى الله عليه وسلم له وأجلسه إلى جانبه. قال: فبقي الحافظ يشكو إليه ما لقي، ويبكي ويقول: يا رسول الله كُذَّبتُ في الحديث الفلاني، والحديث الفلاني، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: صدقت يا عبد الغني، صدقتَ يا عبد الغني.
سمعتُ أبا موسى قال: مرض والدي مرضًا شديدًا منعه من الكلام والقيام ستة عشر يوماً. وكنتُ كثيرًا ما أسأله: ما تشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمه الله. ولا يزيد على ذلك. فلما كان يوم الاثنين جئتُ إليه، وكان عادتي أبعث كل يوم من يأتي بماء من الحمام بكرة يغسل به أطرافه. فلما جئنا بالماء مد يده، فعرفت أنه يريد الوضوء، فوضأته وقت صلاة الصبح، فلما توضأ قال: يا عبد الله قُم فصل بنا وخفف. فقمت فصليت بالجماعة، وصلى معنا جالساً، فلما انصرف الناس، جئتُ وقد استقبل القبلة فقال: اقرأ عند رأسي يس. فقرأتها، فجعل يدعو وأنا أؤمن. فقلت له: هاهنا دواء قد عملناه، تشربه. قال: يا بني، ما بقي إلا الموت. فقلت: ما تشتهي شيئاً؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله سبحانه. فقلت: ما أنت عني راضٍ؟ قال: بلى والله، أنا راضٍ عنك وعن إخوتك، وقد أجزتُ لك ولإخوتك، ولابن أخيك إبراهيم.
فقلت: ما توصي بشيء. قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء. قلت: توصيني بوصية. قال: يا بني، أوصيك بتقوى الله، والمحافظة على طاعته. فجاء جماعة يعودونه، فسلموا، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه وقال: ما هذا الحديث؟ اذكروا الله، قولوا: لا إله إلا الله. فقالوا، ثم قاموا، وجعل هو يذكر الله ويحرك شفتيه، ويشير بعينيه. فدخل درع النابلسي فسلم عليه وقال: ما تعرفني؟ قال: بلى. فقمتُ لأناوله كتابًا من جانب المسجد، فرجعت وقد خرجت روحه. وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرين من