مائة عام قد انقضت لملتنا، ولم يأت منكم بشير ولا نذير. ونحن لا نقركم على كفركم، ولا لنا حاجة بجزيتكم، فإما الإسلام، وإما القتل.
ثم أجلهم مدة لتخفيف أثقالهم، وبيع أملاكهم، والنزوح عن بلاده. فأما أكثر اليهود، فإنهم أظهروا الإسلام تقية، فأقاموا على أموالهم، وأما النصارى فدخلوا إلى الأندلس، ولم يُسلم منهم إلا القليل. وخربت الكنائس والصوامع بجميع المملكة، فليس فيها مشرك ولا كافر يتظاهر بكفره إلى بعد الست مائة، وهو حين انفصالي عن المغرب.
قال عبد الواحد (١): وإنما حمل أبا يوسف على ما صنعه بهم شكه في إسلامهم. وكان يقول: لو صح عندي إسلامهم لتركتهم يختلطون بنا في أنكحتهم وأمورهم. ولو صح عندي كفرهم لقتلتهم، ولكنني متردد فيهم، ولم ينعقد عندنا ذمة ليهودي ولا نصراني منذ قام أمر المصامدة، ولا في جميع بلاد المغرب بيعة ولا كنيسة، إنما اليهود عندنا يظهرون الإسلام، ويصلون في المساجد، ويُقرئون أولادهم القرآن جارين على ملتنا وسنتنا، والله أعلم بما تكن صدورهم.
قلت: ما ينبغي أن يسمى هؤلاء يهود أبدًا، بل هم مسلمون.
محنة ابن رشد
وسببها أنه أخذ في شرح كتاب الحيوان لأرسطوطاليس فهذبه، وقال فيه عند ذكر الزرافة: رأيتها عند ملك البربر. كذا غير ملتفتٍ إلى ما يتعاطاه خدمة الملك من التعظيم، فكان هذا مما أحنقهم عليه، ولم يظهروه.
ثم إن قومًا ممن يناوئه بقرطبة ويدعي معه الكفاءة في البيت والحشمة سعوا به عند أبي يوسف بأن أخذوا بعض تلك التلاخيص، فوجدوا فيه بخطه حاكيًا عن بعض الفلاسفة: قد ظهر أن الزهرة أحد الآلهة. فأوقفوا أبا يوسف على هذا، فاستدعاه بمحضر من الكبار بقرطبة، فقال له: أخطك هذا؟ فأنكر، فقال: لعن الله كاتبه، وأمر الحاضرين بلعنه، ثم أمر بإخراجه مهانًا. وبإبعاده وإبعاد من يتكلم في شيء من هذه العلوم، وبالوعيد الشديد. وكتب إلى البلاد بالتقدم