وقال: إن كنتَ تريد قراءة مَليحة عاجِلة فما يقرأ أحد مثل هذا الذي في الجَبَل. فقال: تجيء به. فجاء الإمام إلى العِزّ، فقال له: ما لي في هذا رغبة وأنا رجل خامل الذكر، وما بيني وبين أحد عداوة وأخاف من المخالفين. فقال: هذا لا نخاف منه، ما يحضر إلا الملك والشيخ وأنت وأنا. فاستشار المشايخ، فقال له شيخنا موفّق الدين: إن كنت تمضي لله فامضِ، وإن كنت تمضي لطمع الدنيا فلا تفعل.
فاستخار الله ومضى. فلما سمع المَلِك قراءته أعجبته كثيراً، وخلع عليه، وأحبّه، وسأله عن أشياء من الحديث فأجابه، ورأى منه ما لم يرَ من غيره. وكان بعد ذلك مهما طلب منه لا يكاد يردّه، فطلب منه الجلوس مكان أبيه فأذِن له، وطلب منه مكاناً في القُدس لأصحابنا يصلّون فيه فأعطاه مهد ع سى.
وكنا نسمع المُسند، فقال بعض الحضور من المدينة: ما رأيت مثل هذه القراءة، مثل الماء، أو قال: مثل السيف. ولما أراد الملك المُحسن سماع تاريخ بغداد من الكِندي، قال: إن كان العِزّ ابن الحافظ يقرؤه فنَعَم، فقرأه عليه. وكان له هِمة عظيمة؛ لما جاء حنبل أراد أهل المدينة أن يمنعوه من الصعود إلينا، فما زال العز بهمّته حتى سهّل الله قراءة المسند في الجبل.
وكان يُسارع إلى الخيرات وإلى مصالح الجماعة؛ لما عزمت على التزويج قام في ذلك، وحصّل لي ما تزوّجت به، وما أحوجني إلى تكلف شيء. وكان بيته لا يكاد يخلو من الضيوف، سمعته يقول، أو سمعت من يحدّث عنه، قال: كنا ببغداد، فقلّ ما بأيدينا، فجاء إلى عندنا إنسان فقال لي: لو مضيتم إلى بعض القرايا حصّلنا لكم شيئاً. قال: فمضينا معه، فاتفق أنا عبرنا على الشيخ حسن الفارسي، رحمة الله عليه، فزرناه، فابتدأنا وقال: متى جرت عادة المقادسة أن يخرجوا إلى الكدّية؟ قال: فرجعنا ولم نمضِ.
سمعتُ إبراهيم بن أبي بكر بن باخل المُؤذّن، وكان من أهل الخير والصلاح يقول: بعد موت العز بثلاثة أيام، توضّأت بالليل، وخرجت فرأيت على الموضع الذي فيه قبر العز عمود نور من السماء إلى الأرض أخضر مثل السلق.