للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: فما أراك ترضى عن أحد (١). قال: كيف أرضى عنهم وليس لهم ما يرضيني! قلت: فما فيهم من له ما يرضيك؟ قال: لا أعلم إلا أن يكون المتنبي في مديحه خاصة، وابن نباتة في خطبه، وابن الحريري في مقاماته. قلت: عجب إذ لم تصنف مقامات تدحض مقاماته! قال: يا بني، اعلم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، عملت مقامات مرتين فلم ترضني، فغسلتها، وما أعلم أن الله خلقني إلا لأظهر فضل ابن الحريري. ثم شطح في الكلام وقال: ليس في الوجود إلا خالقان (٢): واحد في السماء، وواحد في الأرض؛ فالذي في السماء هو الله تعالى، والذي في الأرض أنا. ثم التفت إلي وقال: هذا لا يحتمله العامة لكونهم لا يفهمونه، أنا لا أقدر على خلق شيء إلا خلق الكلام. فقلت: يا مولانا أنا محدث، وإن لم يكن في المحدث جراءة مات بغيظه (٣)، وأحب أن أسألك عن شيء، فتبسم وقال: ما أراك تسأل إلا عن معضلة، هات. قلت: لم سميت بشميم؟ فشتمني وضحك، وقال: اعلم أنني بقيت مدة لا آكل إلا الطين، قصدًا لتنشيف الرطوبة وحدة الحفظ، فكنت أبقى مدة لا أتغوط ثم يجيء كالبندقة من الطين، فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه: شمه فإنه لا رائحة له، فلقبت بذلك، أرضيت يا ابن الفاعلة!

توفي شميم بالموصل في ربيع الآخر (٤) عن سن عالية.

قال ابن النجار (٥): كان أدبيًا مبرزًا في علم اللغة والنحو، وله مصنفات وأنشاد وخطب ومقامات، ونثر ونظم كثير، لكنه كان أحمق، قليل الدين، رقيعًا، يستهزئ بالناس، لا يعتقد أن في الدنيا مثله، ولا كان ولا يكون أبدًا. إلى أن قال: وأدركه الأجل بالموصل عن تسعين سنة أو ما قاربها.

ويحكى عنه فساد عقيدة؛ سمعت أبا القاسم ابن العديم يحكي عن محمد بن يوسف الحنفي قال: كان الشميم يبقى أيامًا لا يأكل إلا التراب، فكان رجيعه يابسًا ليس


(١) في إرشاد ياقوت: عن أحد ممن تقدم.
(٢) في الأصل "خالقين"، والجادة ما أثبتنا.
(٣) في "إرشاد ياقوت": بغصته.
(٤) قال المحب ابن النجار: "سمعت محمد بن عبد الله بن المغربي بدمشق يقول: مات علي بن الحسن بن عنتر النحوي المعروف بالشميم بالموصل في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى وست مئة، وحضرت جنازته" (التاريخ المجدد، الورقة ٢١١ ظاهرية).
(٥) تاريخه، الورقة ٢١١ (ظاهرية).