على لساني أن قلت له: لا آذن لك لأنكم عندي كالمرض لا آذن له إذا استأذن، ولكن إذا دخل بقضاء الله صبرت عليه، وانفصل عن ولاية الثغر هذا الأمير من خمسٍ وعشرين سنة، فوالله ما أتم الشيخ لي الحكاية حتى أقبل هذا الأمير بعينه فقلت: سبحان الله، فقال الشيخ: اسأله عن هذه الحكاية لعله يذكرها فسألته فقال: أذكرها، وكنت أحكيها دائماً في مصر، والشام.
وكان رحمه الله يقول: لو علمت أن الملوك والأمراء لا يأخذهم الغرور بإقبالي عليهم لأقبلت، ولكنهم يظنون أنهم لمجرد الزيارة ينتفعون، وأن الإقبال عليهم دليل الرضى عن أفعالهم. ولو علمت قابلاً للنصيحة لدخلت إليه أنصحه. لما جاء الملك الكامل، وخطر له أن يخرج إلى عندي جاءت له مقدمات من مماليك، وحجاب، وصادفوني أسلق الفول لعشائي، وكنت حينئذٍ لا أحب داخلاً، فقلت لرجلٍ كان عندي: السلامة، والكرامة في أن يحال بيني، وبينه.
فلما جاء إلى بابي قيض الله له بعض نصحائه فقال له: المملكة عظيمة، وقد صحبك العسكر بجملته، وأنت بين أمرين: إما أن يأذن لك، أو يحجبك. وإذا أذن لك صَّرفك كالآحاد، ونصحك بما لا تطيق فعله، فإن فعلت تغيرت عليك قواعد كثيرة، وإن تركت قامت الحجة. والمصلحة عندي الاقتصار على الوصول إلى الباب، فبلغني أنه قال: خار الله، وقد حصلت النية. فانصرف راجعاً. فقلت للشيخ: إن الناس يقولون إنك حجبته. فقال: ما حجبه إلا الله.
قال المؤلف: عرضت على الشيخ كثيراً من حكايات مشايخ الرسالة إلى أن أتيت على أكثر ما في رسالة القشيري فقال لي يوماً: ما أحب أن أسمع شيئاً خارجاً عن الكتاب، والسنة، وكلام الفقهاء.
وكان يمكّن الأطفال من دخول بستانه، فإذا ميز الطفل حجبه، ويقول: من ادعى أنه معصومٌ فقد ادعى ما ليس له في الغيب.
وكان يقول: سبق إلى ذهني في مبدأ العمر اختيار بستان في الرمل من متروك أبي أنقطع فيه، لأجل أن ماءه نبعٌ، وأستريح من شية ماء النيل، وإجرائه في الخليج بعمل. فمنعني من ذلك أن الحريم يكثرن هناك، ولا يستتر بعضهن، ولا يسلم المقيم من النظرة، فلما كثر الفساد صار الناس يقصدونه في