الربيع للنيرة، والخضرة، فما زالوا حتى انتزح هذا الماء عنه بالكلية، وبقي صفصفاً موحشاً.
وكان أنشأ فيه تيناً، ورماناً، وزرجوناً، كان الناظر يقضي منه العجب، إلا أنه ما باع منه ثمرة، فكان يقدد التين، ويتخذ من الرمان عسلاً يستغني به عن العسل، ويتخذ من العنب خلاً وزبيباً، فعزم بعد على قطع الكرم لئلاً ينتقل إلى من يبيعه للذمة عصيراً، فقيل له: قطعه إضاعة مالٍ متيقن لأجل مفسدة موهومة. فتوقف وفي نفسه حسكة. فاتفق أن النيل تأخر عنه فيبس فقلعة، قال لي: وعوضني الله عن تلك الثمار بالشعير، والفول.
ومن نوادره أنه وجد في قمح اشتراه من الفرنج حبات تشبه الشعير، نحو حفنة، فازدرعها، وأقام يقتات منها مدة عشرين سنة. وكان يعجبه أنها متميزة في نباتها، وفي سنبلها. وكان إذا حصدها نقاها سنبلة سنبلة، فإن وجد غريبة تركها، وكذا كان شأنه فيما سقط من الثمار لا يتناوله، لاحتمال أن الطير نقلته. وأما النخل الملاصق لجيرانه فكان يبيحه لهم. وكذا لما بنى بينهما حائطاً احتاط، وأخرج من أرضه قطعة لهم.
وقال: طبخت يوماً فكان الهواء يسوق الدخان إلى جاري، فحولت القدر في الحال، وأبعدتها عنهم.
وقطع نخلة فوقع سعفها على حائط الجار فقال: علم الله أنها لم تضرهم إلا أنها نفضت الغبار على الجدار. فعد الشيخ ذلك تصرفاً في ملك الغير. وكان لجماعةٍ فيهم أطفال، وغيب، وأوجب على نفسه لهم شيئاً، وأعطاهم.
وكان يقول: إن كان هذا، واجباً فقد خلصت منه، وإن كان غير واجب فهو صدقة مستورة باسم الحق، وكذلك كان يقول في ترجيحه في الوزن وأخذه ناقصاً.
قال المؤلف: حدثني ثقة قال: خرجت يوماً إلى الشيخ ومعي الموطأ فقال لي: فيه حديث عائشة أن النبي عليه السلام كان يدني إليها رأسه وترجله وهو معتكف، فهل كان ترجله بمشطٍ أو بغيره؟ فبدرت، وقلت: ما يكون الترجيل إلا بالمشط.