للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ثامن ربيع الأول دخل السلطان الملك الناصر دمشق وزين البلد. وكان قد طول الإقامة على غزة. وقدم دمشق جفال حلب وحماة وتلك النواحي وقاسوا البرد والوحل. واشتد الأمر وقوي الزر (١) وأقام السلطان في القلعة تسعة أيام وخرج للملتقى وعدت التتار الفرات مع الملك قازان في ستين ألفًا وأكثر ما قيل أنهم مائة ألف ولم يصح. وكثر الدعاء وقنت الناس في الصلوات وعملت الختم بالجامع واجتمعت جيش الإسلام على حمص وحضر الناس لقراءة البخاري بدمشق. وأخذ شيخ دار الحديث الأثر وحمله على رأسه إلى الجامع ومعه القضاة ووضعوه تحت النسر وحفوا به يدعون ويبتهلون يوم الرابع والعشرين من ربيع الأول. وأخذ فقهاء المكاتب الصغار وداروا بهم في المساجد يدعون ويستغيثون ربهم . وفعلت اليهود والنصارى ذلك وحملوا توراتهم وإنجيلهم.

وأما الجيش فإنهم تعبوا للمصاف وبقوا ملبسين على الخيل يوم الثلاثاء، فلم يجيئهم أحد وبلغهم أن التتار بقرب سلمية وأنهم يريدون الرجوع وذلك شناعة ومكيدة، فركب السلطان بكرة الأربعاء وساقوا من حمص إلى وادي الخزندار وقد حميت الشمس، فكانت الوقعة في يوم الأربعاء، الخامسة من النهار، السابع والعشرين من الشهر بوادي الخزندار، شمال حمص بشرق، على نحو فرسخين من حمص أو ثلاثة. والتحم الحرب ودام الطعن والضرب واستحر بالتتار القتل ولاحت أمارات النصر وثبت المسلمون إلى بعد العصر وثبت السلطان والخاصكية ثباتًا كليًا. وانكسرت ميمنة المسلمين وجاءهم ما لا قبل لهم به لأن الجيش لم يتكامل يومئذ وكانوا بضعة وعشرين ألفًا وكان العدو ثلاثة أمثالهم وشرعوا في الهزيمة وقضي الأمر. فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأخذت الأمراء السلطان وولوا وتحيزوا وحموا ظهورهم ومروا على حمص وساروا على درب بعلبك إلى طريق البقاع ومر خلق من الجيش منكسرين عليهم كسفة وكآبة بدمشق.

وأما نحن فوقعت يوم الخميس الظهر بطاقة مضمونها أن أقجبا المشد


(١) الزَّر هنا: الجمع الشديد.