للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكبر من مصادرهم مثل ابن الجوزي في "المنتظم"، وابن الأثير في "الكامل"، وبدر الدين العيني في "عقد الجمان"، وغيرهم. كما جَرَّبنا عدم ذكر المصادر نهائيًا عند طائفة من ثقات المؤرخين كالمنذري في كتابه "التكملة" (١). وفي الوقت نفسه وجدنا طائفة أخرى عنيت بذكر مصادرها، ولكنها تفاوتت في ذلك أيضًا حيث كان قسم منهم يذكر موارده بصورة دقيقة، بينما كان القسم الآخر يذكر مورده تارة ويغفله تارة أخرى.

أما الذهبي فكان من الذين اعتنوا بذكر مواردهم سواء أكان ذلك في القسم الخاص بالحوادث أم في القسم الخاص بالتراجم.

ويبدو لنا أن عناية الذهبي بذكر مصادره قد جاءت نتيجة لطبيعة تربيته ونشأته العلمية وعنايته الفائقة بالحديث وعلومه وتعاطيه الرواية وشدة كَلَفِه بها، وآية ذلك أن رواية الحديث بالأسانيد والتدقيق في رواته تُعَدُّ أرقى أنواع ذكر المصادر وأدقها، فكان من الطبيعي جدًّا أن يعنى الذهبي بذكر مصادره في تاريخه وبخاصة في القسم الخاص بالتراجم نظرًا للصلة الوثيقة التي تربط الحديث بالتراجم التي لم تنشأ وتتطور إلا بسبب العناية بالحديث النبوي الشريف (٢). يضاف إلى ذلك الأهمية البالغة لضبط تراجم الرجال في تقويمه صحة المنقولات سواء أكان ذلك في الحديث أم في غيره، حيث كانت قيمة الروايات وصحتها تعتمد أولًا على قيمة ناقليها (٣). ولما كانت آراء العلماء ممن تؤخذ أقوالهم في الرجال تجريحًا وتعديلًا تحتل مكانًا بارزًا في محتويات


(١) راجع الفصل الذي كتبناه عن مصادر التكملة في كتابنا: المنذري وكتابه التكملة، ص ٢٧٢ فما بعد.
(٢) راجع كتابنا: أثر الحديث في نشأة التاريخ عند المسلمين (بغداد ١٩٦٦)، وبحثنا: مظاهر تأثير علم الحديث في علم التاريخ، ص ٢٧ فما بعد، والعمري: بحوث، ص ٤٣ فما بعد، وروزنتال: مناهج العلماء المسلمين، ص ١١٥.
(٣) قال الشافعي: "ولا يستدل على أكثر صدق الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه، إلا في الخاص القليل من الحديث، وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه" (الرسالة، ص ٣٩٩) وعن هذا الموضوع انظر أيضًا: الرسالة، ص ٢١٧، ٣٢٢، ٣٤١، ٥٤٤، والطبري: تاريخ، ج ١ ص ٣ - ٤، وانظر:
J.Scacht Origins of Muhammadan Jurisprudence،P.٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>