للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"هذه حكاية حكاها لنا الشيخ أبو الحسين اليونيني ولا أحفظها جيدًا" (١)، وأمثلة ذلك كثيرة في الكتاب.

على أننا رأينا الذهبي في الأغلب الأعم يحرر الأخبار والتراجم على طريقته، وخاصة في التراجم، فقد عرفناه فنانًا تراجميًا لا يتبع أسلوب أحد في عرض الترجمة الداخلي بل يَصُوغها بنفسه، فهو حتى عند نقله عن مؤلف واحد يُعيدُ تركيبَ الترجمة بشكل قد يختلف عن ترتيب الكتاب المنقول عنه (٢)، وقد يضطر إلى تجميع عناصر الترجمة من عدة مؤلفين، فينقل كل قسم عن واحد أو أكثر (٣). ولم يجد الذهبي ما يمنعه من نقل الأخبار وإعادة صياغتها ما زال ملزمًا نفسه بالدقة والأمانة، لاسيما في نقل خبر من الأخبار العامة التي لا تؤثر في قيمتها الصياغةُ كتاريخ وفاةٍ أو ميلاد أو قيام بعمل ما، أو اختصار في أسماء الشيوخ، ونحو ذلك. وَقد أيقنتُ أنَّ الذهبيَّ كان لابد أن يتصرف في مثل هذه النقول، وإلا صعب عليه عرض التراجم كما يريد، ولعل المثال الآتي يوضح ذلك: قال في ترجمة أبي جعفر المنصور: "قال شباب (٤): أقام الحَجَّ للناس أبو جعفر سنة ست وثلاثين، وسنة أربعين، وسنة أربع وأربعين، وسنة اثنتين وخمسين، زاد الفسوي (٥): إنه حج أيضًا سنة سبع وأربعين ومئة" (٦).

ولننظر الآن إلى هذين المصدرين اللذين أخذ عنهما الذهبي وهما "تاريخ" (٧) خليفة بن خياط المعروف بشباب العصفري المتوفى سنة ٢٤٠ هـ، و"المعرفة والتاريخ" (٨) لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي المتوفى سنة


(١) الورقة ١٨٠ (أيا صوفيا ٣٠١١).
(٢) انظر أعلاه بعض الأمثلة التي أتينا بها للمقارنة.
(٣) انظر أعلاه كلامنا على منهجه في الموارد.
(٤) هو خليفة بن خياط العصفري المعروف بشباب "ت ٢٤٠ هـ".
(٥) قوله "زاد الفسوي" فيه نظر، فإننا وجدنا خليفة يذكر إقامة المنصور للحج سنة ١٤٧ هـ (تاريخ، ص ٤٢٤) فهناك ثلاثة احتمالات أولها: أن تكون النسخة التي نقل عنها الذهبي لم تحتو على هذا النص، وثانيها: أن تكون هذه العبارة قد أضيفت فيما بعد إلى النسخة التي طبع عليها الكتاب وهو مستبعد، وثالثها: أن يكون الذهبي ذهل عن رؤية هذا النصر فتوهم بعدم ذكر خليفه له.
(٦) ٤/ ١٠٨.
(٧) حققه الدكتور أكرم العمري ونشره بمعونة المجمع العلمي العراقي (النجف ١٩٦٧).
(٨) حققه الدكتور العمري أيضًا ونشره ديوان الأوقاف العراقي بنفقاته (بغداد ١٩٧٤ - ١٩٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>