للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومتى كانت الحنابلة، وهل ارتفع للحنابلة قط رأس" (١).

ومع ذلك فإن هذه القضية جديرة بالدرس لأنها توضح أهمية كتاب الذهبي من جهة، ومنهجه ومدى عدالته في النقد والتحري من جهة أخرى.

ولقد أبانت دراستنا لتاريخ الإسلام أن الذهبي قد وُفِّقَ إلى أنْ يكون منصفًا إلى درجة غير قليلة في نقده لكثير من الناس وما رأينا عنده تفريقًا كبيرًا بين علماء المذاهب الأربعة. وما كان يرضى الكلام بغير حق ولا حتى نقله في بعض الأحيان، قال في ترجمة الحسن بن زياد اللؤلؤي الفقيه الحنفي: "قد ساق في ترجمة هذا أبو بكر الخطيب أشياء لا ينبغي لي ذكرها" (٢) وقال في ترجمة ابن الحريري الدمشقي الحنفي "ت ٧٢٨ هـ": "قاضي القضاة علّامة المذهب ذو العلم والعمل" (٣)، وقوله في قاضي الحنفية شمس الدين الأذرعي "ت ٦٧٣ هـ": "لم يخلف بعده مثله" (٤)، وترجم لأبي جعفر الطحاوي ترجمة رائقة ودلل على سعة معرفته وفضله وعلمه الجم (٥). وهذا هو منهجه في معظم الحنفية لم نره تكلم في أحدهم بسبب المذهب، لا من الشافعية ولا المالكية، ولا الحنفية.

ولو قال السبكي إنه كان يتعصب على الأشاعرة حسب لوجدَ بعضَ الآذانِ الصاغية ولبحث له المؤيدون عن بضعة نصوص قد تؤيد رأيه، علمًا أني بحثتُ في "تاريخ الإسلام" ولم أستطع أن أحصل على مثل يَصْلُح أن يسمى انتقادًا لأشعري. نعم قد نجد بعضَ تقصيرٍ في تراجم قسم من الأشاعرة. وفي هذا المجال صرت أشعر أن سبب قصر بعض تراجم الأشاعرة قد جاء من عدم قيام الذهبي بنقل آراء المخالفين بتوسع حبًا منه للعافية كما في ترجمة أبي الحسن الأشعري الذي لم يأت الذهبي بكلمة نقد فيه مع أن الأشعري قضى القسم الأكبر من حياته معتزليًا، ونحن نعرف موقف الذهبي من المعتزلة. والواقع أن الذهبي ما بخس فضل هذا الرجل إلى درجة أنه اعتبره مُجَدِّدًا في أصول


(١) طبقات، ج ٣ ص ٣٥٢ - ٣٥٣.
(٢) الورقة ١٨ (أيا صوفيا ٣٠٠٧).
(٣) معجم الشيوخ، م ٢ الورقة ٥١.
(٤) الورقة ١٨ (أيا صوفيا ٣٠١٤).
(٥) ٧/ ٤٣٩ - ٤٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>